المركز اليمني للسياسات

المركز اليمني للسياسات بوصفه مؤسسة فكرية


اكتوبر 2020

بمناسبة اليوم العالمي للاعنف، يسر المركز اليمني للسياسات بدعم من المكتب الفدرالي الألماني للشؤون الخارجية، أن يدشن مشروعه ” السياسة المدنية”. والسياسة المدنية هي إسهامنا إلى نهج اللاعنف الذي هو، بطبيعة الحال، جزء من الحياة اليومية وسياساتها عند المواطنين في اليمن. ويأتي في قلب هذا المشروع المتعدد الأوجه مدونة ” المجلس”. وعن طريق مشاركة منظورات وأفكار ورؤى الخبراء اليمنيين وغير اليمنيين، فإنّ هذه المنصات تضع نفسها بين تلك المنظمات والناشطين الذين يدعون إلى إنهاء الحرب في اليمن عبر طرق سلمية تتخذ اللاعنف نهجا لها، وتعتمد النقاش البنّاء في تحقيق هذه الغاية. ومن تلك المنظمات والمنصات، على سبيل المثال لا الحصر، شركاؤنا في مجلة المدنية، ومبادرة مسار السلام، وروّاد التنمية، ومنظمة مواطنة لحقوق الإنسان.

ونحنُ نفتتح هذا المشروع بحملة تسلط الضوء على الفرص والمعوِّقات أمام السلام في اليمن ضمن مستويات متعددة: المستوى المحلي، والمستوى الإقليمي، والمستوى الدولي. وعلى مدى الأسابيع المقبلة، فإننا سنعمد إلى سبر أبعاد تلك الفرص والمعوِّقات المتعددة عبر تدشين نقاش عبر- أممي حول اللاعنف والسلام في اليمن.

لكنْ مَن نحنُ، ولماذا نقوم بهذا العمل؟

أسِّس المركز اليمني للسياسات في مارس 2020 من طرف مجموعة من الباحثين اليمنيين والألمان ممن لهم صِلَة بالمركز اليمني لقياس الرأي العام الذي مقره، في الوقت الراهن، مدينة تعز اليمنية. وبعملنا هذا، فإننا نطمح إلى التأثير على عملية صناعة السياسات سواء على مستوى اليمن أو على المستوى الدولي آخذين نصب أعيننا الغاية من كل ذلك، وهي تحسين ظروف معيشة المواطنين اليمنيين.

والهدف من أنشطتنا البحثية يتحدد في فهم السياسات التي تعتمل في المستوى المحلي؛ ومن ثم العمل على تيسير الاتصال بين المجتمع المدني من جهة ومؤسسات الدولة من جهة مقابلة. وعن طريق البحث عن القصص الإيجابية وعن أفضل الممارسات ومشاركتها، فإننا نطمح إلى وضع أنشطة المجتمع المدني في دائرة الضوء. إنَّ مركزنا يعمل على تعزيز قيم اللاعنف، وحقوق الإنسان، والتغيير الاجتماعي؛ وذلك عن طريق مناهج مختلفة تتضمن البحث، والتعليم، والأنشطة، وإحداث التأثير في السياسات العامة. ونحنُ نطمح في أنْ نزوِّد صناع السياسات اليمنيين والدوليين بالتحليلات الضرورية عن اليمن من أجل المساهمة في صناعة سياسات سليمة.

ومن غايات المركز اليمني للسياسات دعم الباحثين الشباب اليمنيين من ذوي المواهب؛ وذلك عن طريق خلق فرصٍ حقيقية تتيح لهم التطور في مساراتهم الوظيفية والعملية. و منهجنا هو واحد من تلك الطرق التي من خلالها يمكن الوقوف ضد الصراع في اليمن،  ويتمثل في خلق المساحة للباحثين اليمنيين، وتزويدهم بأدوات البحث اللازمة، وبتقنيات الكتابة وفقا لمعاييرعالية، إلى جانب العمل على إيجاد الشبكات الاجتماعية لهم بعد أن أصبحوا في الآونة الأخيرة في حال من العزلة.

تدشين المشروع

وفي هذه اللحظة، فإننا نستغل فرصة التدشين هذه من أجل المساهمة في إحداث نقاش عبر-أممي بخصوص اللاعنف والسلام في اليمن، ونحن نعمدُ إلى عمل هذا في وقتٍ أصبحت فيه فضاءات النقاش المفتوح تأخذ في التقلص والاختفاء. وبصورة أكثر تخصيصا، فإنَّ الفضاءات والأماكن الرسمية المخصَّصة للتعبير عن الذات في اليمن سواء عن طريق الفن أو الكتابة أو النقاش أو التعليق قد أخذت بصورة متعاظمة في أن تتحول إلى مساحات غير آمنة.

لقد توقف عدد معتبر من الباحثين والصحفيين عن البحث والكتابة والنشر جرَّاء انعدام المساحات المستقلة. وبدلا عن المعايير الأكاديمية أو الصحفية أو العلمية أصبحت المصالح السياسية فقط هي ما يؤثِّر على الخطابات ويصوغ اتجاهاتها. وهذا مضر، في محصلته الأخيرة، بالمواطن اليمني، وله تأثير على جودة البحث والصحافة والنشر.

 

والمعلوم أنَّ المساحات الآمنة قد أخذت في التحوّل نحو العالم الرقمي، ومن ذلك مبادرتنا هذه، وفي الانكماش باتجاه الفضاءات الخاصة. وهنا يأتي التساؤل عن العواقب المترتبة على هذا الأمر؟ لقد أسكتَ النقدُ، ولم يعد ثمة صوت يُسمَع للرأي العام ولم يعد له أيُّ اعتبار، وعلى نفس المنوال لم تعد المشكلات السياسية والاقتصادية تلقى حقها من النقاش العام المفتوح.

وفي الآن نفسه، بدات السياسات اليومية المتبِعة لنهج اللاعنف لدى المواطنين اليمنيين ذات مرونة وفاعلية؛ بل، أكثر من ذلك، أثبتت توجه المواطنين نحو المشاركة في مستوى مجتمعاتهم المحلية، ورغبتهم في تشكيل السلام وبناء الدولة على المستوى المحلي. وهذا يتضمن مبادرات متعددة تشمل: حملات التوعية، وبرامج التدريب المجتمعية بخصوص المياه والصرف الصحي، وأنشطة التوعية بخصوص النظافة الشخصية خلال انتشار جائحة كورونا والكوليرا في اليمن، وكذلك تحسين الوضع البيئي في المناطق المحيطة بتلك المجتمعات المحلية.

غير أنَّه يبدو أنَّ تلك الإمكانيات التي تنطوي عليها السياسات اليومية للمواطنين تنتهي حيث تبدأ تدخلات دول الإقليم، بما لديها من مصالح تخصُّها في هذا البلد. والمعلوم أن كثيرين من اليمنيين يبدون امتعاضهم وخيبة أملهم تجاه دول الإقليم، التي قدَّمت نفسها بصفة الأخوّة، غير أنها لم تولِ شيئا اهتماما سوى مصالحها الذاتية. وفي المقابل، أصبح اليمني الذي أظهر مرونة و قدرة خلاقة  يبدو عاجزا أمام اللاعبين الأقوياء الذين لا يرون في اليمن سوى خريطة مواقع ذات أهمية استراتيجية وموارد. ومن نافلة القول التقرير بأن هؤلاء المواطنين اليمنيين يشعرون، أيضا، بخيبة الأمل تجاه حكامهم، غير أنهم لم يفقدوا الأمل في مستقبل بلدهم.

وفي الوقت الذي تبذل فيه الأمم المتحدة جهودا، دون جدوى تذكر، في سبيل إحضار الطرفين، الحكومة المعترف بها دوليا وأنصار الله الحوثيين، حول طاولة الحوار من أجل إجراء محادثات سلام، فإنّ المواطنين اليمنيين يعون، وبصورة ممزوجة بالمرارة، بأن هذه العملية لن تجلب السلام الذي يأملون في تحققه. إنَّ المفقود حتى الآن، وما تمس الحاجة إليه فعلا، هو وجود نقاشات عامة يكون من شأنها الحصول على تأييد واسع النطاق.

 

إننا في المركز اليمني للسياسات نتبنى القناعة التي مفادها أنَّ ما يجلب السلام لليمنيين بالفعل هو وجود دولة يمنية تحترم كل هويات اليمنيين بصورة متساوية. وتلك الدولة لن تكون حصيلة أفعال العنف. إنّ الطريقة الممكنة الوحيدة لبزوغ تلك الدولة هو نهج اللاعنف؛ أي عن طريق التداول والنقاش ذي الطابع العمومي؛ وعن طريق التعليقات والكتابات العامة والحرة والمستقلة؛ وعن طريق الخيال الخلّاق الذي تجود به قرائحُ الأدباءِ والشعراءِ المحبين لوطنهم. وهنا، تظهر حاجتنا الماسّة إلى وجود الفضاءت التي يمكن فيها تصوّرُ تلك الدولة ومناقشةُ طبيعتها. يحتاج اليمنيون اليوم، في المقام الأول، إلى التفكر والتأمل حول الأحداث التي شهدها العقد الأخير، وأنْ يفهموا بصورة حقيقية تلك التطورات من منظورات مختلفة ومن خلال الحوار المتبادل حول الأسباب التي أدت بالسياسة اليمنية، وبالمجتمع اليمني، وبالاقتصاد اليمني إلى أن تأخذ هذا المنحى الراهن.

إنَّ مدونة ” المجلس” تعدُّ المنصة الأولى المقدَّمة للمواطنين اليمنين بمختلف خلفياتهم الاجتماعية والمناطقية، وكذلك لغير اليمنيين، لتكون بمثابة الفضاء الذي يتيح للأفكار والخبرات والتجارب بخصوص المجتمع والسياسة أن تدخل مع بعضها البعض في حوار ونقاش. وفضلا عن ذلك، فإنّ من شأن تجاور المنظورات والأفكار والرؤى المختلفة للباحثين اليمنيين والدوليين أنْ يعمِّق البحث المختص باليمن وأن يساعدنا، كباحثين وكتّاب، على إعادة تقييم ونقد بعض الأفكار والمناهج التي أصبحت من كثرة تداولها بمثابة المسلّمات التي لا تقبل النقض.

 

المترجم: عبد السلام الربيدي

المحرر: روبن صورات

المصور: احمد الهجري

المانح: مكتب الخارجيه الالماني الفدرالي

Share on Facebook
Share on Twitter
Share on LinkedIn
النشرة البريدية للمركز اليمني للسياسات
تابعنا على شبكات التواصل الإجتماعي
×