شيماء بن عثمان

ضرورة تعامل المنظمات غير الحكومية الدولية مع النسوية وتمكين المرأة بحساسية ثقافية لتجنُّب الرفض والمقاومة المجتمعية


أبريل 2024

تسبَّب الصراع في اليمن في عواقب معقَّدة بالنسبة إلى النساء، فبينما توسَّعت الفرص في المجتمع المدني، إلا أنه وقعت أيضًا زيادة في التمييز وخطاب الكراهية الذي يغذِّيه الفكر المتطرف، والذي يستهدف بشكلٍ خاص النساء العاملات في المنظمات غير الحكومية الدولية/المنظمات غير الحكومية. وكما تقول شيماء بن عثمان، فإن التركيز المتزايد على حقوق المرأة من قِبَل المنظمات غير الحكومية الدولية أثار كثيرًا من الجدل؛ حيث يرى البعض أنه أهمل الاحتياجات الإنسانية الأوسع نطاقًا. وكثيرًا ما يُنظر إلى مصطلح «النسوية» نفسه، الذي يختلف فهمه بين اليمنيين، بعين الريبة. وتواجه المنظمات غير الحكومية الدولية/المنظمات غير الحكومية التحدي المتمثِّل في تعزيز تمكين المرأة مع معالجة التحيزات التي تفاقمت بسبب الصراع.

وتسعى المنظمات غير الحكومية الدولية إلى تمكين المرأة من خلال تدخلات مثل برامج التعليم والتدريب أو مبادرات التمكين الاقتصادي أو خدمات الرعاية الصحية، ولعبت هذه المنظمات دورًا حاسمًا في النهوض بوضع المرأة في اليمن. ومع ذلك، تواجه هذه المنظمات مقاومة كبيرة، تضمنت حملات وسائل التواصل الاجتماعي ضد مشروعاتها، ورفض القيادات الدينية لها، وشيطنة مهماتهم، وحملات التشهير التي تستهدف النساء المشارِكات في هذه المنظمات. وتوجد كثير من الأسباب المتعددة الأوجه لهذه المقاومة: الممارسات الثقافية والمؤسسية المختلفة التي يُساء فهمها بشكلٍ متبادَل من قِبَل المنظمات غير الحكومية الدولية واليمنيين، والمخاوف بشأن زيادة أو قلة ظهور المرأة، والمفاهيم المتباينة لمصطلحات مثل «النسوية»، التي ينظر إليها العديد من اليمنيين بوصفها مشبوهة، لكن المنظمات غير الحكومية الدولية تستخدمها لتوجيه تدخلاتها.

مثل النساء في جميع أنحاء العالم، شاركت المرأة اليمنية على نحوٍ فعالٍ في الفكر والنشاط النسوي منذ أربعينيات القرن الماضي. وشملت الاستراتيجيات الاحتجاجات في الشوارع، والعمل من خلال منظمات المجتمع المدني، والتفاعل مع المؤسسات الحكومية والأحزاب السياسية، وإنتاج المعرفة، ومؤخرًا منصات وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، فإن استراتيجيات بعض المنظمات غير الحكومية الدولية والناشطين اليمنيين المتأثرين بالمنظور الغربي لا تتوافق دائمًا مع نماذج النوع الاجتماعي في اليمن، والتي تتشكَّل من خلال الدين والثقافة والأعراف الاجتماعية، وكذلك النساء اليمنيات الناشطات منذ أربعينيات القرن الماضي. في بعض الأحيان، تتبنَّى المنظمات غير الحكومية الدولية وكذلك الناشطون خطابًا يركز على إنقاذ النساء من الهياكل المجتمعية الأبوية، والتقاليد والعادات التي قد تبدو معادية للمرأة في نظر الغرب. لكن هذا الخطاب ينطوي على مخاطرة بفهمٍ مبالغ في تبسيطه لحياة المرأة اليمنية.

ويختزل هذا الخطاب القضايا المعقدة التي تواجهها النساء في صورة مبسَّطة للضحية أو التابع، مما قد يؤدي إلى تجاهل الطبيعة المتعددة الأوجه لتجاربهن وأوجه عدم المساواة الهيكلية الكامنة التي تساهم في تهميشهن. إن تصوير النساء كمتلقياتٍ سلبياتٍ للمساعدات أو جهود الإنقاذ فقط يفشل في الاعتراف بقدراتهن، وقدرتهن على الصمود، واحتياجاتهن المتنوعة. وهذا التبسيط المفرط يمكن أن يعيق الفهم الشامل للتحديات التي تواجهها المرأة، وقد يؤدي إلى تدخلات غير فعالة أو متعالية لا تعالج الأسباب الجذرية لعدم المساواة بين الجنسين. ولمعالجة العواقب غير المقصودة على نحوٍ فعالٍ، يجب على المنظمات غير الحكومية الدولية سد الفجوة بين الفهم الغربي للنسوية والواقع المحلي. وهذا يتطلَّب اعتماد نهجٍ شاملٍ ودقيقٍ يراعي تعقيدات الديناميكيات الثقافية والاجتماعية المحلية. ومن خلال القيام بذلك، يمكن للمبادرات التي تعزز تمكين المرأة أن تكون عملية ومتماسكة ثقافيًّا، مما يعزز تصورًا أكثر إيجابية لمشاركة المرأة في القطاع غير الربحي، ويعزز الهدف الأوسع للمساواة بين الجنسين.

الاعتراف بالتنوع

تتأثر الهوية الثقافية لكل منطقة يمنية بمحيطها الجغرافي. وهذا بدوره يشكِّل المعايير المجتمعية، بما في ذلك التوقعات بالنسبة إلى المرأة والتحديات المتنوعة التي تواجهها. على سبيل المثال، في عدن، وهي مدينة معروفة بانفتاحها، من الشائع أن تشارك النساء في أنشطة مختلطة بين الجنسين. وفي المقابل، تميل المجتمعات في حضرموت إلى الفصل بين النساء والرجال خلال الفعاليات والأنشطة. لذا فإن فهم التمكين من منظور السياق المحدد للمرأة اليمنية أمرٌ بالغ الأهمية. قد تنظر النساء الريفيات، لا سيما العاملات في الزراعة والرعي، إلى التمكين من منظور تحسين المرافق ودعم عملهن. وفي بعض المناطق، تنظر النساء إلى الهيكل الأبوي التقليدي على أنه تمكين لهنَّ، حيث يقدِّرن الأمن الذي يوفره وجود ولي الأمر الذكر. ومن ثَمَّ، فإن تلبية احتياجات المرأة في سياقها أمرٌ حيوي، وغالبًا ما تحظى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية بالأولوية. وقد لا يلقى تنفيذ المشروعات التي تركز على المشاركة السياسية أو الحقوق المدنية صدى في المناطق التي لا تُلبَّى فيها هذه الاحتياجات الأساسية.

وتنعكس هذه الاختلافات المعيارية في الطريقة التي تتلقَّى بها المجتمعات المحلية المشروعات المحلية. كان الهدف من فعالية «تيدكس سيئون للنساء»، التي نظمت بهدف الاحتفاء بإنجازات المرأة الحضرمية، لا سيما أولئك المقيمات في الخارج. إلا أنها واجهت انتقاداتٍ لعدم التزام النساء بقواعد اللباس في سيئون ولإظهار نساء غير محجبات على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يتعارض مع القيم المحافِظة للمنطقة. وشمل رد الفعل المجتمعي الذي أعقب ذلك إدانة من المساجد، وأدى إلى عنفٍ اجتماعي ولفظي تجاه المنظمين، مما يدل على وجود خلل في التوافق بين المنظمين والتوقعات الثقافية للمجتمع.

في المقابل، نجحت فعالية تيدكس للنساء في عدن بسبب أجواء المدينة الأكثر انفتاحًا وتقبلًا. فظهور المرأة، بما في ذلك ارتداء العباءات والحجاب الملون، أمر مقبول، ومشاركة المرأة الفاعلة في الحياة العامة مقبولة في المجتمع. وكانت فعالية، «تيدكس مدرسة نور حيدر للنساء»، تكريمًا للمدرسة التي أسَّستها نور حيدر، أول معلمة في عدن، عام 1941. شكَّلت المدرسة تقدمًا كبيرًا في تعليم الإناث، مما يعكس القيم التقدمية التاريخية للمدينة، المتأثرة بوالد حيدر، الذي تحدَّى الأعراف التقليدية، وأعطى الأولوية لتعليم ابنته.

إمكانية تحقيق نتائج مستدامة من خلال الحساسية الثقافية

إن احترام الفروق الثقافية المعقدة لتجارب المرأة ودمجها في برامج التمكين أمرٌ بالغ الأهمية. تتطلَّب تدخلات المشروع الناجحة مدخلات من أفراد المجتمع المحلي من خلفيات متنوعة، مما يضمن أن تشكِّل أصواتهم وتفضيلاتهم أهداف المشروع واستراتيجياته. وهناك العديد من الطرق التي يمكن للمنظمات غير الحكومية الدولية أن تتعامل بها مع هذا الأمر. يمكن لاستراتيجيات التواصل استخدام لغة ورموز مناسبة ثقافيًّا في مواد التوعية، وضمان أن تكون قنوات التواصل متاحة ومقبولة في السياق. على سبيل المثال، في المناطق التي تكون فيها إمكانية الوصول إلى الإنترنت محدودة أو يستخدمها الرجال في المقام الأول، قد تكون طرق التواصل التقليدية مثل الاجتماعات المجتمعية أو البث الإذاعي أكثر فعالية.

يتطلَّب تطوير التدخلات التي تراعي الحساسيات الثقافية في اليمن من المنظمات غير الحكومية الدولية/المنظمات غير الحكومية المشاركة مع المجتمعات المحلية من أجل دمج سردياتهم وتجاربهم ومعالجة التحديات الفريدة التي تواجههم. ويجب أن يكون هناك تفاهم شامل واحترام متبادَل بين السكان المحليين، ويشمل ذلك القادة المحليين والمجموعات النسائية وأفراد المجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية الدولية، بتيسير من قِبَل أولئك الذين لديهم رؤى عميقة بخصوص الديناميكيات الاجتماعية والثقافية.

يجب أن يحترم تصميم النشاط المعايير والقيم المحلية، وأن يعمل على تمكين الأشخاص. عندما يكون هناك فصل بين الجنسين، على سبيل المثال، فإن تنظيم جلسات منفصلة للرجال والنساء أو جدولة الأنشطة في أوقاتٍ مختلفة يمكن أن يضمن راحة الجميع ومشاركتهم. كما يجب أن تكون البرامج التعليمية حسَّاسة من حيث المحتوى وأساليب التدريس، وأن تتضمن الأمثلة المحلية ودراسات الحالة. ويمكن لأنشطة بناء القدرات التي تمَكِّن القادة والناشطين المحليين من الأخذ بزمام المبادرات أن تساعد في ضمان استدامتها. كما يمكن للتدريب على إدارة المشروعات ومهارات المناصرة والقيادة أن يمَكِّن أصحاب الشأن المحليين من الأخذ بزمام التدخلات المستقبلية، مما يخلق تأثيرًا دائمًا في المجتمع.

ابتكار تدخلات عملية ودقيقة

يجب أن يُفهم مفهوم المَحرم (ولي أمر المرأة) من وجهة نظر محلية، حيث يتجذَّر ذلك المفهوم في الرعاية والمسؤولية، وليس في التشكيك في أخلاق المرأة أو كراهيتها. وفي حين أن المَحرم قد لا يكون ضروريًّا تمامًا في بعض العائلات أو المناطق، إلا أنه يمثِّل قاعدة ثقافية ودينية مهمة في مناطق أخرى. إن استخدام المَحرم في مناطق معينة يمكن أن يعزِّز سلامة المرأة وراحتها في أثناء السفر، ويسهل الوصول إلى الفرص ذات الحساسية الثقافية. ومع ذلك، من الأهمية بمكان التفريق بين الممارسات الثقافية الطوعية والالتزامات القسرية، لا سيما في حالات مثل تلك التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، حيث تُقيَّد بشدة استقلالية المرأة وحرية حركتها. في مثل هذه السياقات، ينبغي أن تركز الجهود على الدفاع عن حقوق المرأة وتحدي الممارسات القمعية، مع ضمان توفير الدعم والموارد لمساعدة المرأة على تجاوز هذه القيود بأكبر قدرٍ ممكن من الأمان.

وفي الوقت نفسه، يُعَد احترام معايير اللباس المقبولة اجتماعيًّا في سياقات اليمن المتنوعة أمرًا ضروريًّا أيضًا للعاملين في المنظمات الدولية، سواء من السكان المحليين أو الأجانب، وكذلك للمشاركين في المشروعات. ونظرًا إلى أن اليمن يلتزم بالمبادئ الإسلامية، فإن الالتزام بالمعايير المحلية للملابس يلعب دورًا حاسمًا في بناء الثقة داخل المجتمع. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة نظرًا إلى أن الاهتمامات المجتمعية غالبًا ما تركز على الحفاظ على الاحتشام. بالنسبة إلى النساء، تتفاوت ممارسات ارتداء الحجاب واختيار العباءات الملونة وتغطية الوجه بشكلٍ كبيرٍ في القبول في مختلف المناطق اليمنية. كما يجب على الرجال أيضًا الالتزام بمعايير الاحتشام في ملابسهم. ولذلك، فإن فهم هذه التفضيلات المحلية والالتزام بها أمرٌ بالغ الأهمية لتعزيز المشاركة الناجحة والمحترمة.

قد تبدو الأمثلة المقدَّمة حول كيفية تحقيق الفعالية في هذا السياق مقيِّدة، لكنها غالبًا ما تمثِّل النهج الأسلم والأكثر عملية لمساعدة النساء وتوفير فرص التمكين لهن. إن تحقيق توازن دقيق بين التدخل عند الضرورة وتبني البراجماتية والتوافق مع السياق المحلي أمر بالغ الأهمية لتحقيق نتائج ملموسة ومستدامة. وهو يتطلب فهم المعايير الثقافية، والتواصل الفعَّال المبكر مع قادة المجتمع المحلي وأفراده، والالتزام بتعزيز الثقة والتعاون. وتتطلب معالجة الديناميكيات الاجتماعية والثقافية المعقدة في اليمن اتِّباع نهج شامل لتمكين المرأة. إن إعطاء الأولوية للحساسية الثقافية لتجنُّب ردود الفعل العنيفة التي يمكن أن تعيق التقدم يمكن أن يساعد النشطاء المحليين والمنظمات غير الحكومية الدولية في تحقيق التقدم.

شيماء بن عثمان زميلة مشاركة في المركز اليمني للسياسات. وبصفتها شريكًا مؤسِّسًا لنادي تكوين الثقافي ومؤسسة مدارات الثقافية، فهي ناشطة اجتماعية ومتطوعة تركز على الفنون والثقافة كوسيلة للتغيير الاجتماعي. وهي أيضًا كاتبة مستقلة، نشرت العديد من المقالات في مجلة المدنية. تركز  أبحاثها على النساء والشباب، وبالإضافة إلى ذلك، فهي حاصلة على منحة برنامج قادة الغد من مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، وحصلت مؤخرًا على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من الجامعة الأمريكية في بيروت.

المانح:
وزارة خارجية ألمانيا الاتحادية
التحرير:
مرايكا ترانسفيلد وجاتندر بادا
الترجمة:
إيناس التركي
الصورة:
أميرة الشريف / Le Pictorium / Alamy Stock Photo

النشرة البريدية للمركز اليمني للسياسات
تابعنا على شبكات التواصل الإجتماعي
×