سلامة باخلعة

من حق اليمنيين إبداء الرأي بشأن شكل المساعدات في اليمن


مايو 2023

هناك ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان في اليمن في حاجة إلى مساعدة إنسانية، ولكن حتى الآن، فإن الجهات الخارجية هي التي تحدد الطريقة التي ينفق بها القطاع الإنساني مبالغ تُقدَّر بالمليارات، ولا يتم هذا بشكلٍ فعَّالٍ دائمًا. ومع ذلك، كما تقول سلامة باخلعة، فإن الشعب اليمني هو أفضل من يستطيع تحديد احتياجاته الخاصة. ولكي تكون المساعدات الإنسانية فعَّالة، يجب أن يكون قطاع المساعدات الإنسانية خاضعًا للمساءلة أمام السكان المتضررين.

«أعلم أن أطفالي سيصابون بالكوليرا، وإذا لم يكن كذلك، فسيصابون بمرضٍ آخر غيره، وأعلم أنهم سيظلون يصابون بالمرض، لكن لا يمكنني فعل شيء حيال ذلك، فأنا أطعمهم من القمامة، لذا سيمرضون بالطبع. إذا كنت تريدين مساعدتي، ساعديني في العثور على طعام ليس من القمامة، قبل التحدث إليَّ حول كيفية الوقاية من الكوليرا». كانت هذه كلمات امرأة يمنية ريفية التقيت بها في أثناء العمل كمنسقة لمنظمة إنسانية دولية لحملة الوقاية من الكوليرا، وكجزء من الحملة، تلقَّت تدريبًا للتوعية بالنظافة الشخصية، إلى جانب دلو وصابون.

توضح هذه الواقعة قصور نظام الإغاثة الإنسانية، فعلى الرغم من أن المرأة فهمت طبيعة المشكلة التي تواجهها وحددت حلًّا لها، فإن نظام الإغاثة الإنسانية قرَّر لها «احتياجات» محددة مسبقًا، وقرَّر الحل الأفضل، وبالتالي، لم تحصل على الدعم الذي تحتاج إليه بالفعل. يخطط العديد من المستفيدين من المساعدات الإنسانية لبيع السلع التي تُمنح لهم كجزءٍ من حزم المساعدات، كي يتوفر لهم المال لشراء ما يحتاجون إليه حقًّا: فيبيعون الأرز لشراء الأدوية، أو يبيعون مواد النظافة لشراء الطعام، وبالضرورة، يستغل الناس ما يتلقَّونه من مساعدات لتلبية احتياجاتهم التي يحددونها بأنفسهم.

وبسبب الصراع المستمر في اليمن، يحتاج أكثر من 21.6 مليون شخص – ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان- إلى خدمات الحماية والمساعدة الإنسانية المنقذة للحياة. فهناك 3.1 مليون شخص نازحون داخليًّا، و17.3 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات غذائية وزراعية، و20.3 مليون شخص في حاجة إلى خدمات صحية ضرورية، و15.3 مليون شخص في حاجة إلى مياه نظيفة ودعم للصرف الصحي الأساسي. ومع ذلك، فإن المنظمات التي تقدم المساعدات الإنسانية تدرك أنها لا تلبي احتياجات الناس دائمًا. في الواقع، أظهر مسحٌ للتصورات أجراه اليونيسف عام 2019 أن ما يقرب من نصف المستجيبين (49.9 في المائة) أشاروا إلى أن المساعدات لم تلبِّ احتياجاتهم ذات الأولوية، وقال 2 في المائة فقط إنهم «راضون إلى حدٍّ كبيرٍ» عمَّا تلقَّوه من مساعدات. هناك انفصالٌ واضحٌ إذن بين ما يحتاج إليه اليمنيون وما يتلقَّونه، والسبب في ذلك بشكلٍ أساسي هو أن إطار الاستجابة الإنسانية الحالي لا يسمح للمجتمعات المتلقية للمساعدات بالمساهمة في تشكيل المساعدات الانسانية في مرحلة التخطيط والتسليم.

وجود فجوة بين التزامات المساءلة والعمل

تطور مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين (AAP) في قطاع العمل الإنساني منذ عقود، ويعود تاريخه إلى التسعينيات. وتضمن دليل اسفير لعام 1998 مبدأ المشاركة، معترفًا بأهمية إشراك المجتمعات المتضررة في إيصال المساعدات. وفي عام 2003، أُطلق مشروع المساءلة الإنسانية (HAP) لتعزيز المساءلة في قطاع الإغاثة الإنسانية، وأدى إلى تطوير معيار HAP في عام 2007. ثم تلا ذلك المعيار الإنساني الأساسي بشأن الجودة والمساءلة في عام 2014، الذي يحدد تسعة التزامات يجب على منظمات الإغاثة التمسُّك بها لضمان الجودة والمساءلة، مع كون مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين أحد الالتزامات. واليوم، بات من المُعترف بمفهوم AAP هذا على نطاقٍ واسعٍ، بوصفه جانبًا أساسيًّا من جوانب تقديم الإغاثة الإنسانية، لا سيما في حالات الصراع والأزمات.

انضمَّ اليمن إلى التحوُّل العالمي نحو مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين AAP مع خطط الاستجابة الإنسانية لليمن لعامي 2017 و2018، التي تضمنت هذا المفهوم كهدفٍ إستراتيجي. ومع ذلك، على الرغم من بعض التحسينات في مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين، لا يزال هناك انفصال بين الجانب النظري والممارسة، ولا يُترجم الالتزام بالمبادئ إلى المزيد من المساءلة. وتتمثَّل العقبة الرئيسية في وجود تفاوت فيما يتعلق بممارسات AAP بين مختلف الجهات الفاعلة في اليمن، إذ لا يوجد فهمٌ متسقٌ لما يعنيه مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين، ولا إطار عمل موحد، مما يؤثر في السكان المتضررين.

على سبيل المثال، في إحدى مجموعات فيسبوك المخصصة للنساء فقط، والتي تضم أكثر من 50000 متابع، سألت الكثيرات عن كيفية التسجيل في قوائم توصيل المساعدات، وإذا كان النظام يعمل بكفاءة، فسيعرفن كيفية التسجيل، وبمن يتصلن، ولمن يقدمن شكوى في حالة حدوث مشكلات. وفي وجود أكثر من 100 منظمة تقدم المساعدات وتستخدم آليات مختلفة، بينما ثلثا السكان تقريبًا يتلقون المساعدة، فإن هناك فشلًا واضحًا في مشاركة المعلومات. إذ لا يتعيَّن على المستفيدين من الخدمات معرفة الأساليب المختلفة التي تستخدمها الجهات الفاعلة المتعددة فحسب، بل يتعيَّن عليهم أيضًا معرفة أين وكيف يمكنهم تقديم ملاحظاتهم. بالإضافة إلى ذلك، وردت تقارير عن صناديق شكاوى وُضعت في أماكن غير مرئية بوضوحٍ داخل المخيمات، وأرقام خطوط ساخنة غير معروفة، كما تتسبب القضايا المتعلقة بالسرية في إعاقة الناس عن استخدام هذه الخطوط، حتى عندما يكون بمقدورهم الوصول إلى الأرقام، وحتى إذا وجدوا طريقة لتقديم ملاحظات أو تقديم شكوى، فليس هناك دليلٌ كافٍ على وجود متابعة، أو اتخاذ إجراءات فعلية، وفقًا للتقييم الإنساني المشترك بين الوكالات لأزمات اليمن.

الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الناس فيما يتعلَّق بالمساءلة

يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية لتطوير مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين. يطالب اليمنيون بإجاباتٍ بسبب الفشل في رؤية الآثار الإيجابية للمليارات من أموال المساعدات على حياتهم. واليمنيون  أكثر صراحة على الإنترنت فيما يتعلق بإحباطهم من نظام المساعدات، ويوضحون الأخطاء والانفصال الواضح بين ما يعتقدون أنه احتياجات ذات أولوية من جهة، والمساعدات الفعلية المقدمة من جهة أخرى. وهناك حملات متعددة على تويتر تستجوب منظمات الإغاثة، فعلى سبيل المثال، في إحدى حملات عام 2019، تحت هاشتاج «وين الفلوس» (Wain al-flus)، تساءل الناس عن إنفاق أموال المساعدات بعد مؤتمر المانحين، مع منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تطلب من المنظمات الدولية مشاركة تقارير ميزانية المساعدات. وقد انتشرت هذه الحملة في اليمن حيث انضم المزيد من الناس إلى الطلب، واستخدم 6 ملايين شخص تقريبًا هذا الهاشتاج. وعلى الرغم من أن الحملة لم تؤدِّ إلى تغيير النظام، فإنها تظهر الرغبة في التغيير. وفي عام 2022، وبسبب ضغوط وسائل التواصل الاجتماعي، اضطرَّت إحدى المنظمات الإنسانية إلى تقديم تفسيرات بعد نشر صورة مرحاض واحد تم تركيبه بتمويل من عدة جهات مانحة، وسخر الناس من المنظمة من خلال تعديل الصورة لتضمين جميع شعارات المتبرعين في مرحاضٍ واحدٍ صغيرٍ. وبهذه الطريقة، يستخدم اليمنيون وسائل التواصل الاجتماعي لاستعادة السردية، مستخدمين أصواتهم للمطالبة بالمساءلة.

يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي تسهيل مشاركة المجتمعات المتضررة في عمليات صنع القرار، وتوفير الشفافية والمساءلة للاستجابة الإنسانية، وبناء الثقة والتفاهم بين منظمات الإغاثة والمجتمعات المتضررة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدامها لرصد تقديم المساعدات، والإبلاغ عن نوعية وكمية المساعدة المقدمة، وتقديم ملاحظات فورية حول فعالية تدخلات الإغاثة. ويمكن للمنظمات الإنسانية استخدام هذه الملاحظات لتحسين إيصال المساعدات والتأكد من وصولها إلى من هم في أمسِّ الحاجة إليها. كما يمكن أيضًا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي حول مبادئ مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين، ويمكن استخدام المنصات لتثقيف المجتمعات المتضررة حول حقوقهم في تلقي المساعدة وإعطاء الملاحظات والمشاركة في عمليات صنع القرار.

ومع ذلك، لا يجب اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي بديلًا عن آليات AAP المناسبة، لكن بدلًا من ذلك، يمكن أن تشكِّل تتمة لتلك الآليات. وبينما يمكن أن تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تقديم رؤى وملاحظات قيمة، إلا أنها لن تصل إلى جميع أفراد المجتمعات المتضررة، لا سيما أولئك الأكثر ضعفًا وتهميشًا. وبالإضافة إلى ذلك، قد لا توفر وسائل التواصل الاجتماعي مساحة آمنة لجميع الأفراد للتعبير عن آرائهم، وقد تكون هناك قيودٌ على دقة وموثوقية المعلومات المقدمة.

سيتحسَّن قطاع الإغاثة حينما يصبح أكثر خضوعًا للمساءلة

يحتاج قطاع الإغاثة إلى الاعتراف بأن الافتقار إلى المساءلة يمثِّل مشكلة تؤثر في حياة الناس وأنه يجب أن يعالج ذلك كأولوية. وهناك حاجة إلى نظامٍ يستمع إلى الناس، وينفذ الالتزامات لضمان أن يكون الناس حقّا في قلب عملية توصيل المساعدات. ويجب أن تساهم المجتمعات في تشكيل الاستجابة منذ البداية، وأن تتاح لها الفرصة لتقرير كيفية استخدام المليارات التي جُمعت باسمها، وتحتاج منظمات الإغاثة إلى إعادة التفكير في كيفية تحديد التزاماتها والوفاء بها.

يجب أن يكون قطاع منظمات الإغاثة أكثر شفافية وخضوعًا للمساءلة، لأن هذا يمكن أن يكون منقذًا للحياة. وإذا استمر القطاع في تقليل أولويات مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين، فسيكون لذلك تأثير سلبي في الطريقة التي ينظر بها الناس إلى العاملين في مجال المساعدات والإغاثة. وفي الواقع، تبعًا لما هو مُتناقل، فهناك بالفعل شعورٌ بالغضب من المجتمع تجاه المنظمات، وإذا لم تُتخذ أي إجراءات لمعالجة فجوة المساءلة، فقد يؤدي ذلك إلى قيودٍ تتعلق بسهولة الوصول. إذ إن قبول المجتمع يُعَد جزءًا كبيرًا من ضمان سلامة توصيل المساعدات، وقد يكون لفقدان ثقة المجتمع عواقب مثيرة للقلق، لا سيما في دولة هشة مثل اليمن.

يحتاج المانحون والمنظمات الدولية غير الحكومية والمنظمات غير الحكومية المحلية والسلطات المحلية، بقيادة المجتمع المحلي، إلى العمل معًا. كما يجب تزويد المجتمعات المحلية بمعلوماتٍ يسهل الوصول إليها في الوقت المناسب، والسماح لها بلعب دور أساسي في صنع القرار، مع الاستجابة للملاحظات من المجتمع المحلي. ويجب على الجهات المانحة توفير الموارد للتشغيل وتنفيذ هذه  الخطط، ومحاسبة المنظمات على التزامها بمفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين وربط ذلك باستمرار التمويل. ويجب أن تتضمن خطة الاستجابة الانسانية ووثيقة النظرة العامة للإحتياجات الإنسانية في اليمن أهدافًا واضحة لمفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين، محددة بالتعاون مع المجتمع، مع أهداف ربع سنوية وتقارير عن نتائج نهاية العام.

ويجب على منظمات الإغاثة استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الأخرى لمشاركة المعلومات حول أهداف المساءلة مع المجتمع، والعمل بشكلٍ وثيقٍ مع المنظمات غير الحكومية المحلية. كما يجب تنظيم حملات لتمكين المجتمع من المشاركة في عمليات صنع القرار. ويمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي وإشراك المجتمعات المتضررة في الاستجابة الإنسانية.

هناك حاجة إلى تحسين النظام، وتحويله الى نظام يدور حول احتياجات الناس بدلًا من توقع أن يتوافق الناس مع النظام الحالي. ويجب على العاملين في هذا القطاع إصلاح الفجوة المتعلقة بالمساءلة، ليس فقط لأن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، ولكن أيضًا لأن من شأنه تجديد شعور الناس بأن القطاع يريد التعلُّم والتحسُّن بالفعل، وبالتالي مساعدة المحتاجين بشكلٍ أكثر فعالية.


انضمَّت سلامة باخلعة إلى المركز اليمني للسياسات كزميلة مشاركة في عام 2022، وتركز أبحاثها على المساءلة أمام السكان المتضررين، والمشاركة المجتمعية، والتوطين وتخطيط المساعدات الإنسانية وتسليمها، كما عملت مع العديد من منظمات الإغاثة كخبيرة في تخطيط المساعدات وتسليمها.

المانح:
وزارة خارجية ألمانيا الاتحادية
التحرير:
كارول مالك
وجاتندر بادا
الترجمة:
إيناس التركي
الصورة:
مخيم نازحي الحرب، تعز، اليمن.
8 أكتوبر 2021. أكرم الراسني / Alamy.

النشرة البريدية للمركز اليمني للسياسات
تابعنا على شبكات التواصل الإجتماعي
×