سوسن الرفاعي

كيف تفشل الأطر الإنسانية وأطر السلام في الاستجابة بشكلٍ منهجي للعنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن


ديسمبر 2022

نظرًا إلى فشل الأطراف المتحاربة المختلفة في اليمن في إظهار القوة الصارمة أو السيطرة الإقليمية أو الشرعية السياسية، لا يزال اليمنيون يعانون من واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية خطورة، وطفرة غير مسبوقة في العنف القائم على النوع الاجتماعي. وبينما تتأثَّر النساء والأطفال على نحوٍ غير متكافئ بالجوع والتشرد والتسرُّب من التعليم، يستمر تجنيد الفتيان في النزاعات المسلحة.

العنف القائم على النوع الاجتماعي: القديم والجديد

تواجه النساء والفتيات، اللاتي تأثَّرن على نحوٍ غير متكافئ بالأزمة في اليمن، انتهاكات حقوق الإنسان في المجالين العام والخاص، وتحديدًا العنف القائم على النوع الاجتماعي. كما هو الحال في أي مكانٍ آخر، فإن العنف القائم على النوع الاجتماعي ليس جديدًا على اليمن، وقد حدث قبل الحرب الحالية بوقتٍ طويلٍ. وهو يؤثِّر في الفتيات والنساء والفتيان والرجال. تبحث هذه الورقة في تجارِب النساء والفتيات اليمنيات على وجه الخصوص، اللاتي عانين طويلًا من أشكالٍ مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويتضمن ذلك العنف المنزلي وجرائم الشرف وختان الإناث وزواج الأطفال والتحرش. زادت حدة هذه الأشكال ونطاقها بسبب النزاعات ووباء كوفيد-191 وتغيُّر المناخ.

تتفاقم جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي تقريبًا بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني، مثل القتل في صورة «جرائم الشرف»، والعنف الجنسي في صورة الاغتصاب، والزواج المبكر والقسري. يستغل المنتهكون، الذين قد يكونون من أفراد الأسرة أو الأقارب أو أفراد المجتمع، انهيار أنظمة إنفاذ القانون وهشاشة آليات الحماية الاجتماعية لزيادة خطورة جرائمهم ونطاقها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تلجأ الدولة والأفراد والجماعات التابعين فعليًّا للدولة إلى استخدام العنف الجسدي والتعذيب2 لترهيب النساء للبقاء خارج المجال العام. كما يسود العنف الاقتصادي ضد المرأة في شكل الحرمان من الحقوق والموارد، والحرمان من التعليم، والسيطرة على الراتب أو الدخل، والحرمان من الميراث.

وقد ساهم الاتجاه الأيديولوجي للأحزاب المتحاربة، وكذلك الشعبية المتزايدة للآراء الدينية المتطرفة في إعادة النساء إلى المجال الخاص والابتعاد عن المؤسسات العامة. تواجه المرأة اليمنية مستوياتٍ مقلقة من القيود على الحركة3 في مناطق الحديدة وحجة وصنعاء، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث تطلب السلطات منهن أن يرافقهن محرم (قريب ذكر) من أجل السفر داخليًّا وخارجيًّا. في عام 2019، أفادت وسائل إعلام محلية أن سلطات الحوثيين أصدرت توجيهاتٍ إلى شركات الحافلات المحلية تتطلب مرافقة محرم للنساء عند السفر بين المدن في اليمن. كما أفادت سيدات لوسائل إعلام محلية أن سائقي الحافلات رفضوا اصطحابهن لعدم وجود محرمٍ، أو أن السفر يكلفهن المزيد من المال حيث يتعيَّن عليهن دفع ثمن تذكرة المحرم. كما لا يُسمح للنساء بالبقاء في الفنادق إلا برفقة محرم. بالإضافة إلى ذلك، تطلب السلطات من النساء إبراز تصريح الوصاية وحضور ولي أمرهن -الأب أو الأخ أو الزوج أو الابن- للحصول على أو تجديد بطاقات الهوية الشخصية أو جوازات السفر، على الرغم من أن القانون الوطني لا يتطلب مثل هذه الشروط على وجه التحديد. يحد عدم قدرة المرأة على الوصول إلى الوثائق القانونية من قدرتها ليس فقط على السفر إلى الخارج، ولكن أيضًا على الوصول إلى المعونات الغذائية4 وفرص العمل الأخرى.

يتم التسامح مع العديد من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي أو حتى استخدامها من قبل الأطراف المتحاربة لقمع المشاركة السياسية والمدنية5 للفئات المهمَّشة، ويشمل ذلك النساء. تهدف هذه الأيديولوجية للجماعات المسلحة القائمة على الدين في اليمن -ويشمل هذا الحوثيين- إلى الحد من اهتمام المرأة المتزايد، وقدرتها،6 منذ انتفاضات 2011، على الاحتجاج أو إدارة الحملات أو الحشد في المجتمع. خلال العامين الماضيين، اتهمت أطراف النزاع النساء بالدعارة والاختلاط مع الغرباء أو الرجال كشكلٍ من أشكال الفسق،7 واستخدمت مصطلحاتٍ مهينة كجزءٍ من تهديداتهم العلنية ومضايقتهم للخصوم. في صنعاء، استخدم الحوثيون مثل هذه التهديدات والمضايقات عند قمع المظاهرات العامة التي تشارك فيها النساء، ووُجهت هذه الاتهامات كوسيلة لإضفاء الشرعية على الاحتجاز التعسفي للنساء.

واستُهدِفت أيضًا العاملات في المجال الإنساني والناشطات في مجال حقوق المرأة8 عبر الإنترنت وعلى الأرض للحد من تأثيرهن وقدرتهن على الوصول، من خلال حملات التشهير لقمع أصواتهن وإخفاء واقعهن. تُستخدم إجراءاتٌ متطرفة غير مسبوقة ضد النساء، مثل الاعتقال والسجن والتعذيب والاختطاف. ما كان في السابق مجرد هجمات عنف عشوائية ضد النوع الاجتماعي، موجهة بشكلٍ فردي، تطور في السنوات القليلة الماضية إلى حملاتٍ منظمة تهدف إلى السخرية من الناشطات اللاتي يعشن في الشتات، أو النساء الناشطات في المجال العام بشكلٍ عامٍّ.

على الرغم من زيادة وضوح قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في القطاع الإنساني في اليمن، فإن هناك العديد من الجهات الفاعلة أكثر من ذي قبل ممن يحتاجون إلى الإقناع بأن العنف القائم على النوع الاجتماعي يُعَد انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان، ومسألة تتعلق بالصحة والحماية تشكِّل تهديدًا على الحياة. على الرغم من الالتزام بالإستراتيجيات والبروتوكولات الإنسانية العالمية، فهناك فشلٌ في ترجمة هذه الالتزامات إلى أفعالٍ. ندرك ذلك من خلال تضاؤل التمويل العالمي9 المخصص لتدخلات محددة للعنف القائم على النوع الاجتماعي في حالات الطوارئ، وانعدام الشفافية والبيانات حول التأثير (كما هو موضح أدناه). هناك حاجة ملحة إلى جهاتٍ فاعلة مختلفة -سلطات الدولة، والجهات المانحة، والمنظمات الدولية والوطنية المنفذة والمجتمع المدني المحلي- لإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكلٍ فعَّال ومستدام.

أين البيانات؟

لطالما عرَّفت وكالات الأمم المتحدة الرئيسية10 العنف القائم على النوع الاجتماعي على أنه «أفعال ضارة موجهة ضد فردٍ على أساس جنسه». تستخدم الجهات الفاعلة في المجال الإنساني في اليمن المصطلح الآن بشكلٍ موحدٍ. ومع ذلك، يتداخل هذا المصطلح مع مصطلح «الحماية» في العديد من السياقات، مما قد يكون مربكًا ومضللًا عندما تكون الأشكال غير المادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي على المحك. تثير الطريقة التي يُقسِّم بها نظام مجموعات الأمم المتحدة في اليمن مجموعة الحماية إلى مواضيع فرعية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وحماية الطفل، والأعمال المتعلقة بالألغام أسئلة حول المبادئ التأسيسية. تركز الموضوعات ضمن المجموعة الفرعية للعنف القائم على النوع الاجتماعي على «العنف المنزلي والعنف العاطفي والحرمان من الوصول إلى الخدمات والفرص».11 هذا الطيف الواسع من القضايا يضعف المكونات الرئيسية لما يدور حوله العنف القائم على النوع الاجتماعي: الاعتداء الجنسي والجسدي والعاطفي والاقتصادي. يمكن مناقشة هذه في سياق التقاليد والمعايير الاجتماعية الضارة أو على خلفية النزوح، لكن يبدو أن السياق قد حلَّ محل القضية الإنسانية. كما يُبلغ نظام مجموعات الأمم المتحدة أيضًا عن عمالة الأطفال والتسول وزواج الأطفال والعنف والاستغلال الجنسيين وتجنيد الأطفال تحت بند حماية الطفل، كما لو أن البعد الجنساني غير موجودٍ في كل هذه الظواهر.

حلَّ مصطلح العنف القائم على النوع الاجتماعي على نطاقٍ واسعٍ محلَّ مصطلح «العنف ضد النساء والفتيات»، للإقرار بأن الانتهاكات يمكن أن تحدث أيضًا ضد الرجال والفتيان -لا سيما عندما تُرتكب لغرضٍ واضحٍ يتمثَّل في تعزيز معايير عدم المساواة بين الجنسين- لكن نادرًا ما يتم إدراك هذا في تصميم الخطط والتدخلات المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. يُستخدم المصطلح أيضًا في سياق الأفعال الفردية ضد النساء والفتيات، ونادرًا ما يؤكد طبيعته المنهجية.12

في «نظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية» المنشورة سنويًّا، لم تُحدَّد الاحتياجات المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي بشكلٍ جيدٍ، ولم تُقاس بشكلٍ مناسبٍ -ويُترجَم هذا إلى تحليلات غامضة للاحتياجات. ظهرت البيانات حول المجموعة الفرعية للعنف القائم على النوع الاجتماعي في خطة الاستجابة الإنسانية في عام 2021 فقط. قبل ذلك، دُمجت قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي مع جميع مواضيع الحماية، بما في ذلك حماية الأطفال والألغام الأرضية.13 وعدت خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2021 14 بمركزية الحماية (بما في ذلك منطقة مسؤوليتها الخاصة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي والتي من المتوقع أن تعطي الأولوية للنساء والفتيات جنبًا إلى جنب مع الرجال والفتيان المعرضين لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي بجميع أشكاله)، لضمان المساءلة أمام السكان المتضررين، ودعم آليات الحماية المجتمعية. ومع ذلك، فيما يتعلق بالبيانات الكمية والنوعية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، استثمر القطاع الإنساني القليل من الجهد في مراقبة العنف القائم على النوع الاجتماعي على مر السنين. على الرغم من التحسُّن الملحوظ في خطة الاستجابة الإنسانية الأكثر تحديثًا، سواء في استخدام لغة أكثر وضوحًا ومباشرةً تتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي أو تعميمٍ أفضل للعنف القائم على النوع الاجتماعي في القطاعات الأخرى، تظل جودة البيانات موضع شكٍّ.15

تجري مجموعة واسعة من الوكالات ذات القدرات المتغيرة دراسات العنف القائم على النوع الاجتماعي. تستند هذه الدراسات عادة إلى محافظات محددة أو تفحص أنواعًا معينة من العنف، مما يجعل من الصعب جدًّا تجميع بيانات العنف القائم على النوع الاجتماعي على المستوى الوطني. تجمع لوحة معلومات مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي16 الاحتياجات بالملايين ولا توفر أي بياناتٍ كمية عن أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي وانتشارها. كما أن الدراسات عفا عليها الزمن، حيث إن آخر تقييمٍ للعنف القائم على النوع الاجتماعي17 تم إجراؤه، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في عام 2016. المصطلحات المستخدمة، مثل «الأشخاص الذين تم الوصول إليهم» و«الخدمات المتخصصة»، لم يتم تعريفها بوضوحٍ. كما أن المصطلحات المعقدة التي تصف تدخلات العنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل «خدمات الاستجابة متعددة القطاعات للعنف القائم على النوع الاجتماعي» و«سبل العيش وبناء المهارات للناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي»، غامضة وتفتقر إلى الشفافية. وبالتالي، يصبح الحصول على البيانات المفيدة من خلال قياس هذه المؤشرات غير ممكنٍ. تشير لوحات معلومات العنف القائم على النوع الاجتماعي في الغالب إلى المؤشرات التي يسهل قياسها، لكنها ذات تأثيرٍ أقل استدامة، مثل عدد التدريبات المُنفذة أو عدد المستفيدين الذين تلقوا مساعدات مالية. لا تعكس مثل هذه المؤشرات التغيرات في حياة الناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

إن القيود التي تفرضها السلطات على جمع البيانات، خاصة في شمال اليمن، معروفة جيدًا، لكن أليس نظام المجموعات مصممًا لتجميع الخبرات المغتربة والمحلية وللتغلب بشكلٍ مبتكرٍ على الحواجز على الأرض؟ يساهم الافتقار إلى الخبرة في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي في المنظمات غير الإنسانية، والمقرات الرئيسية، والمكاتب القُطرية المحلية في نقص التفكير النقدي وحل المشكلات عندما يتعلق الأمر ببيانات العنف القائم على النوع الاجتماعي. قد يكون الافتقار إلى الخبرة الفنية والسياقية وراء الافتقار إلى الرؤية لإستراتيجية وقدرات شاملة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، ليس فقط لبناء قضية من أجل نظام معلومات أكثر شفافية وكفاءة لبيانات العنف القائم على النوع الاجتماعي، ولكن أيضًا لبناء قضية للحصول على نسبة مئوية أكبر من التمويل الإنساني. تثبت البيانات المستمدة من حالات الطوارئ الأخرى أن المنسقين الأقوياء الذين يتمتعون بصفاتٍ قيادية جيدة ووقتٍ مخصصٍ وتمويلٍ كانوا بالغي الأهمية لتحسين تكامل بيانات العنف القائم على النوع الاجتماعي.18

في الوقت الحالي، يُعد تقديم التقارير إلى منصات البيانات الإنسانية من قِبَل الحكومات التي تقدم المساعدة ومن قِبَل الوكالات المنفذة أمرًا طوعيًا وغير متسق، ولا توجد طريقة معيارية لرصد العنف القائم على النوع الاجتماعي، أو تحديد الإنفاق على العنف القائم على النوع الاجتماعي أو على النوع الاجتماعي بشكلٍ عامٍّ. لا نعرف مقدار ما تم تخصيصه وصرفه من أجل العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأين يذهب التمويل.

أين المال؟

من المخيب للآمال أنه مع تفاقم الأزمات الإنسانية في اليمن واستمرار انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي، لا يزال التمويل ضئيلًا للغاية مقارنة بالقطاعات الأخرى. حصلت المجموعة الفرعية للعنف القائم على النوع الاجتماعي على 19% فقط من التمويل المطلوب، مما ترك 4.1 مليون امرأة و4.3 مليون فتاة محتاجة من دون دعمٍ. كما تم تحقيق 22% فقط من الأهداف المقصودة.19 تُظهر بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أنه في عام 2020، فقدت 350.000 امرأة إمكانية الوصول إلى خدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي بعد إغلاق 12 مكانًا آمنًا للنساء والفتيات بسبب نقص التمويل.20 اعتبارًا من أكتوبر 2021، تم تأمين 54% فقط من 27 مليون دولار أمريكي مطلوبة لبرامج حماية المرأة.

هذه مشكلة عالمية. وفي الآونة الأخيرة نسبيًّا، في عام 2016، أصبح العنف القائم على النوع الاجتماعي قطاعًا قائمًا بذاته21 داخل خدمة التتبع المالي الإنساني، ولا يزال غالبًا مخفيًّا تحت مخصصات الميزانية الأوسع لـ «الحماية». ليس من الواضح في كثيرٍ من الحالات مقدار الأموال التي تم تخصيصها للتدخلات التي تتضمن الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي والوقاية منه كأهدافٍ رئيسية أو مهمة، مقابل تلك التي يتم فيها دمج العنف القائم على النوع الاجتماعي فحسب مع غيره من الأهداف. وهذا يجعل من الصعب للغاية تتبُّع النفقات بدقة. هناك «منطقة رمادية»22 تحيط بالاستثمارات في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي، والاستثمارات في المساواة بين الجنسين على نطاقٍ أوسع، أو المساعدات الإنسانية الأشمل. نتيجة لذلك، يمكن المبالغة في تقدير نفقات قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي إذا تم تضمين الدولارات التي يتم إنفاقها في قطاعات مثل الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (هذا هو الحال عندما يتم تتبع نفقات قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي مقابل مؤشرات الأداء الرئيسية غير المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي). يمكن أيضًا التقليل من الإنفاق على قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي للسبب نفسه، إذا لم يوضح برنامج الترميز في صياغته العنف القائم على النوع الاجتماعي.

كما أن الحساسيات حول أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي تجعل تتبُّع التدخلات أمرًا صعبًا. على سبيل المثال، نظرًا إلى أن الحوثيين لا يوافقون على البرامج التي تتصدى بوضوحٍ للعنف القائم على النوع الاجتماعي، فإن الجهات الفاعلة في المجال الإنساني تتعرض لضغوطٍ مستمرة إما من أجل «إعادة تسمية» التدخلات المتعلقة بالنوع الاجتماعي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، مما يؤدي إلى مزيدٍ من التخريب لعمليات تتبع العنف القائم على النوع الاجتماعي، وإما من أجل تغيير الغرض من التمويل إلى أشكالٍ أخرى مقبولة من البرامج، مثل التمكين الاقتصادي والحماية الاجتماعية للمرأة. هذا أيضًا سببٌ مباشرٌ لاستبدال أنشطة قصيرة المدى بأنظمة العنف القائم على النوع الاجتماعي المستدامة والمنهجية في الخطط أقل إثارة للجدل، مثل توزيع «مجموعات الكرامة»، التي يمكن القول إنها لا تفعل شيئًا على المدى الطويل لمنح النساء والفتيات الكرامة.

في حين أن المنظمات النسائية المحلية غير العاملة في المجال الإنساني تولَّت مسؤوليات إنسانية للاستجابة للاحتياجات المحلية والامتثال لقيود التمويل، وجدت الأبحاث الحديثة أنها لا تزال تعاني من نقص الموارد ونقص التمثيل في النظام الإنساني.23 تواجه المنظمات النسائية المحلية الصغيرة حواجز إضافية أمام الوصول إلى تمويل العنف القائم على النوع الاجتماعي بسبب المتطلبات المالية الشديدة ومتطلبات الامتثال التي لا يمكن إلا للمنظمات الكبيرة الوفاء بها عادة.24 وهذا يترك العديد منهم في حلقة مفرغة من عدم الاستقرار، غير قادرين على مواصلة الجهود لحماية النساء والفتيات في المجتمعات التي يخدمونها. لا تزال خدمات إنقاذ الأرواح، مثل الرعاية السريرية للناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي والملاجئ والأماكن الآمنة، تعاني من نقص التمويل بشكلٍ مقلقٍ وعدم الأولوية في الاستجابات الإنسانية.

مع سنواتٍ عديدة من الخبرة في اليمن والمنطقة والعالم، فإن القطاع الإنساني مجهزٌ بشكلٍ أفضل من أي وقتٍ مضى لمواجهة التحدي المتمثل في تتبُّع ليس فقط الإنفاق ولكن أيضًا تأثير برامج العنف القائم على النوع الاجتماعي، فلماذا لم يتم ذلك؟

الأهم: أين التأثير؟

لا تصل برامج العنف القائم على النوع الاجتماعي إلا إلى نسبة صغيرة من السكان المحتاجين.25 ومع ذلك، فإن العديد من التقارير الإنسانية تعتبر هذه النتائج بصيص أملٍ. تشير خطة الاستجابة الإنسانية ولوحة معلومات مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى الأنشطة، لا إلى التغيير الفعلي. يلتزم القطاع بتوفير إمكانية الوصول إلى خدمات المساعدة والحماية المهمة26 مثل المساعدة القانونية والدعم النفسي والوقاية والاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي وحماية الطفل وآليات الإحالة. ومع ذلك، حتى العين الفاحصة لا تستفيد من الطبيعة الإجمالية للنتائج المُبلغ عنها. على سبيل المثال، تجمع لوحة معلومات مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي27 عدد المستفيدين/الناجين الذين توصَّل إليهم مديرو الحالات، والخط الساخن، وفرق التوعية، والمستفيدين الذين تلقوا المساعدة بواحدة أو أكثر من الإحالات، والخدمات القانونية والطبية والنفسية والمأوى تحت فئة واحدة: «الخدمات متعددة القطاعات». مَن المستفيد من كل خدمة، ومَن الذي يقدم كل خدمة؟ هذه المعلومات غير متوفرة.

من دواعي القلق الشديد أن قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي (بالإضافة إلى العديد من القطاعات الإنسانية الأخرى) يستخدم منهجياتٍ غير موحدة للإبلاغ عن الأثر. في بعض الحالات، يتم الإبلاغ عن التأثير في الأنشطة، ومن الأمثلة على ذلك عدد مجموعات الكرامة الموزعة، أو عدد التدريبات التي يتم إجراؤها باعتبارها «وحدات تأثير»، وهو أمرٌ غير مقبولٍ بموجب النهج القائم على النتائج والنهج القائم على حقوق الإنسان، وهو النهج الذي تعتبره منظومة الأمم المتحدة مركزيًّا في عملياتها.

في حالاتٍ أخرى، تشير التقارير إلى متلقي المساعدات على أنهم «المستفيدون»، مما يعني أنهم استفادوا بشكلٍ سلبي من المساعدات. قد ينطبق هذا إلى حدٍّ ما على أشكال أخرى من المساعدات مثل توزيع الغذاء أو التطعيم، ولكن فيما يتعلق بأثر برامج العنف القائم على النوع الاجتماعي، فإن الأنشطة -مثل رفع مستوى الوعي وبناء القدرات وتوزيع الأدوات- هي أنشطة تشغيلية، وفقط عندما يثبت أنها تؤدي إلى حماية «السكان المتضررين» من العنف القائم على النوع الاجتماعي، يمكننا اعتبارهم قد استفادوا. على الرغم من أن هذه الأنشطة تبدو أسهل في التنفيذ والحساب، فإننا لا نزال ننتظر دليلًا على أن النظام الإنساني جادٌّ في حساب عدد المستفيدين من الخدمات الأكثر أهمية.

من يناير إلى سبتمبر 2022، تضاعف عدد المنظمات غير الحكومية الوطنية الشريكة المنفذة.28 وعلى الرغم من ارتفاع عدد الشركاء، مما قد يشير إلى زيادة مشاركة المنظمات المحلية، فلا يوجد دليلٌ على وجود مسارات إحالة مستدامة للعنف القائم على النوع الاجتماعي وتوفير خدمات عالية الجودة.

إن العمل المتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي لتمكين النساء والفتيات من خلال مساحات آمنة، وعيادات متنقلة في المناطق المتضررة، وتقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي التي تتلقى النساء من خلالها المساعدة التي تسهم في إنقاذ الحياة هو عمل مؤثر.29 لكن تمويل هذه الخدمات الإنسانية الأساسية بدأ في النفاد. تتوفر خدمات الناجين الآن في 29 مكانًا آمنًا فقط في 21 محافظة،30 كما أن العديد من المراكز النفسية المتخصصة مهددة بالإغلاق. وفي الوقت نفسه، يتبع بعض الفاعلين مبدأ «التجربة في أثناء العمل من دون تخطيطٍ مسبقٍ»، حيث يقومون بتجربة تدخلات مبتكرة أصغر من أن يمكن قياسها على المستوى الوطني، وجديدة جدًّا بحيث لا يمكن اختبارها من ناحية التأثير والفعالية. على سبيل المثال، تُعد إدارة الحالات عن بُعد، والدعم النفسي-الاجتماعي للناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتطبيقات خدمات الإحالة31 وسائل مبتكرة، لكن هناك الكثير من الشكوك حول كيفية اعتماد هذه الأساليب المبتكرة في المقام الأول على حالة الطوارئ لمرة واحدة، على عكس النهج الأكثر وقائية.32 اليمن قد تكون أو لا تكون الموقع المثالي لتجربة هذه الأساليب الجديدة، لكن في جميع الحالات لم تتم الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بأمن البيانات والسلامة الشخصية وفعالية مثل هذه التدخلات الصحية المتنقلة.

هل قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي مهمٌّ للسلام؟

عملت النساء اليمنيات بوصفهن «وسطاء من الداخل»، حيث جلبن الأطراف إلى طاولة المفاوضات، أو أعدن بناء العلاقات، ولهذا فهن يعرضن أنفسهن للمخاطر، ويتعرضن للمضايقات والترهيب. في أدوارهن كوسطاء وفاعلين في المجال الإنساني، فإنهن يعملن كنماذج يُحتذى بها، لكن لديهن قدرة محدودة على الدفاع عن أنفسهن، وهذا يضعف عمليات السلام المحلية ويقوض دور المرأة في بناء السلام.

لقد تغاضت أطر السلام عن العنف القائم على النوع الاجتماعي على الأرجح بسبب كيفية التغاضي عنه في القطاع الإنساني. تتضمن خطط عمل كل من الحكومة اليمنية والمجتمع المدني المتعلقة بـ «المرأة والسلام والأمن» العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهو ما يُعد خطوة أولى مهمة. تعرضت خطة العمل الوطنية «للمرأة والسلام والأمن» للحكومة اليمنية33 لانتقادات34 من ناشطاتٍ محلياتٍ في اليمن، لاقتصارها على زيادة الوعي وبناء القدرات والبحوث، وتجاهل الجوانب المهمة المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل إصلاح قطاع الأمن وإلغاء القوانين والممارسات التمييزية في النظامين القانوني والقضائي، ودعم السجينات.

أين العنف القائم على النوع الاجتماعي في أجندة «المرأة والسلام والأمن»؟ شاركت النساء من بناة السلام العاملات في السياسة والمجتمع المدني والحكومة، جنبًا إلى جنبٍ مع الناشطات النسائيات، مخاوفهن بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي،35 لكنهن أوصين بفهمٍ شاملٍ للعنف القائم على النوع الاجتماعي وإدراج الخبرة في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي في آليات ومعاهدات الأمم المتحدة.

لا شكَّ في أن زيادة تمثيل المرأة في المؤسسات القضائية ومؤسسات إنفاذ القانون وكذلك في وفود مفاوضات السلام والهيئات الحكومية يعزز مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي. ومع ذلك، فقد ركز عمل «المرأة والسلام والأمن» بشكلٍ أساسي على تمثيل المرأة في عملية السلام، وركز أكثر على المسارين الأول والثاني لبناء السلام.36 لكي تكون المحادثات ذات مصداقية ولديها فرصة أكبر للنجاح،37 يجب أن تشمل النساء.

كافح النساء من بناة السلام لربط المسارات الثلاثة معًا، وحماية أنفسهن من رد الفعل الاجتماعي من ناحية وتخلي الحكومات من ناحية أخرى. يفتقر ممثلو مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن وممثلو الدول لرعاة السلام البارزين في اليمن إلى منظور العنف القائم على النوع الاجتماعي في عملهم، ولديهم القليل من الخبرة في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي، إن وُجدت، لتوجيه أجندة «المرأة والسلام والأمن» المحلية. ويؤثر ذلك في مشاوراتهم، وفي جدول الأعمال الرسمي لمحادثات السلام التي يرعونها، حيث إن العنف القائم على النوع الاجتماعي غائبٌ.

تشعر شبكات النساء والشباب المحلية والوطنية بالعزلة في دمج العنف القائم على النوع الاجتماعي في عملية السلام على المستويين الوطني والمحلي. مع ذلك، لم يمنعهم هذا من تحقيق التقدم. العنف القائم على النوع الاجتماعي موجودٌ حاليًّا في عددٍ قليلٍ من المساحات المتعلقة بالسلام، حيث كان في السابق غائبًا تمامًا (أحدث مثال يشمل منتدى اليمن الدولي الذي عُقد في السويد في عام 2022).38 أدمجت شبكة التضامن النسوي أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل الاغتصاب، في آليات المساءلة الدولية ونجحت في إدراج العنف القائم على النوع الاجتماعي في قائمة العقوبات الدولية لعام 2020 في اليمن.39 لكن هذه الجهود، على الرغم من قيمتها، معزولة، وليست بالضرورة إستراتيجية، وفوق كل شيء، ليست معتمدة ولا يعترف بها الفاعلون في مجال السلام.

تواصل النساء قيادة مبادرات بناء السلام والوساطة المحلية، بالإضافة إلى الاستجابة وحماية الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي على المستويات الشعبية رغم الصعاب، لكن يمكن القيام بما هو أكثر من ذلك بكثيرٍ إذا أدركت الجهات الفاعلة والجهات المانحة في مجال السلام مدى أهمية العنف القائم على النوع الاجتماعي في عملية السلام وأجندة «المرأة والسلام والأمن».

هل يمكن للقطاع الإنساني وقطاع «المرأة والسلام والأمن» إصلاح نهجهم في التعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعي؟

كانت اليمن في ذيل مؤشرالفجوة العالمية بين الجنسين40 على مدى السنوات الـ 13 الماضية، وهي من بين أسوأ البلدان في العالم التي يمكن أن تكون فيها فتاة. إن العلاقة بين العنف القائم على النوع الاجتماعي والنزاع معقدة.41 كلاهما نتاج تفاعلاتٍ معقدة من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، التي يرتبط بعضها ببعض ويعزز بعضها بعضًا. يؤدي الصراع إلى تفاقم جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، لكن النساء والفتيات يتأثرن على نحوٍ غير متكافئ. وتستخدم أطراف النزاع العنف القائم على النوع الاجتماعي كأداة لتعزيز سيطرتهم السياسية والسيطرة على الأراضي. يجب أن يتصدى قطاعا العمل الإنساني وبناء السلام للعنف القائم على النوع الاجتماعي بطريقة شاملة وقوية ومموَّلة على نحوٍ جيدٍ. يحتاج كلٌّ من القطاع الإنساني وعمل «المرأة والسلام والأمن» إلى تصعيد ملف العنف القائم على النوع الاجتماعي وزيادة الأموال المخصصة، ليس فقط في اليمن، ولكن على مستوى العالم أيضًا. فيما يلي قائمة بالتوصيات لمختلف الجهات الفاعلة.

إنشاء أنظمة بيانات موثوقة: يتم تشجيع وكالات الأمم المتحدة الإنسانية، ولا سيما تلك التي تقود المجموعة الفرعية للعنف القائم على النوع الاجتماعي وتشارك فيه، على التوافق مع مبادئ إستراتيجية قطاع مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي (2021-2025)42 الخاصة بالتوطين والمساءلة لتطوير أنظمة بيانات شفافة وذات مصداقية من أجل قياس تأثير المساعدات في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي. يجب أن يكون قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي أكثر تحديدًا، كما يجب إنشاء روابط متبادلة بينه وبين المكونات الفرعية الأخرى لمجموعة الحماية. يمكن للقطاع الإنساني الاستثمار في أنظمة بيانات أكثر شفافية ومصداقية لقياس تأثير المساعدات في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي. والأهم من ذلك، يجب تخصيص الموارد لتطوير خطوط أساس كمية ونوعية لانتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي وجعل جمع البيانات أكثر منهجية واستدامة.

هناك حاجة إلى زيادة الشفافية حول استثمارات المانحين والتزاماتهم وأولوياتهم، حتى يمكن تحديد المبلغ الإجمالي لتمويل قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي بسهولة أكبر وبالتالي التخطيط له. إن مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي بحاجة إلى إصلاحٍ عاجلٍ حتى يتم قياس الاحتياجات الإنسانية وتأثيرات البرنامج بدقة. يجب أن تكون المصطلحات المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي والمستخدمة في لغة التخطيط والإبلاغ للقطاعات واضحة ومحددة للسماح بالإبلاغ الدقيق عن النتائج.

ثق بأولئك الذين يعرفون أفضل: يجب على المانحين في المجال الإنساني المشاركة في تقييمات منتظمة لتأثير الشراكات المحلية في الوقاية والاستجابة. إن الجهات الفاعلة المحلية في وضعٍ أفضل ليس فقط لتَصَوُّر وتصميم خطة عمل طوارئ وطنية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، ولكنهم أيضًا هم الذين يمكنهم تغيير الديناميكيات المحلية التي تؤدي إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي في المقام الأول. يجب تضخيم الأصوات المحلية حول فجوات تمويل قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي واحتياجات الخدمات على الصعيدين الوطني والدولي. كما يجب أن يركز قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي على الكيف وليس الكم فيما يتعلق بالشراكات المحلية في إيجاد حلولٍ محلية للتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وإعطاء الأولوية للشراكات التي تزيد وتحسِّن من الإبلاغ عن وتتبع استثمارات العنف القائم على النوع الاجتماعي لضمان حصول القطاع على فهمٍ دقيقٍ لمدى استجابته الكاملة (أو عدم استجابته) لاحتياجات السكان المعرضين للخطر.

استدامة الخدمات التي تحدث الفارق: يجب على وكالات الأمم المتحدة الإنسانية توسيع نطاق التغطية الجغرافية وتمويل تدخلات العنف القائم على النوع الاجتماعي. يعتبر المأوى والدعم النفسي والمساعدة القانونية للنساء في مختلف المحافظات خدمات منقذة للحياة لمئات الآلاف من النساء والفتيات اليمنيات، وتستحق هذه الخدمات نصيب الأسد من التمويل. من المهم إعادة التقييم بشكلٍ نقدي للمشاريع في القطاعات القانونية والقضائية وإنفاذ القانون، التي لديها القدرة على تعزيز الأنظمة التي تمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي وتلاحقه قضائيًّا، لكنها في الوقت الحالي ليست ملائمة ولا تحظى بدعمٍ هيكلي من الدولة لتحقيق النجاح. من المهم ملاحظة أنه لا يمكن النظر إلى التدخلات الخاصة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي بمعزلٍ عن غيرها، حيث إنها تمثِّل جزءًا فقط من احتياجات الحماية والاحتياجات الإنسانية الشاملة. من شأن رؤية مشتركة لجميع أصحاب المصلحة المعنيين بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، مُترجَمة إلى إستراتيجية شاملة للعنف القائم على النوع الاجتماعي للقطاع الإنساني بأكمله، أن تحل هذه المشكلة.

وضع العنف القائم على النوع الاجتماعي في صميم أجندة «المرأة والسلام والأمن»: بالنسبة إلى الجهات الفاعلة التي تعمل على أجندة «المرأة والسلام والأمن» في اليمن، يجب أن يوضع في الاعتبار ما هو مطروح على الطاولة، وكذلك مَن حول الطاولة. يجب أن يكون العنف القائم على النوع الاجتماعي مركزيًّا في أجندة «المرأة والسلام والأمن»، كما يجب مناقشته في جميع منتديات بناء السلام. تدعو النسويات إلى إعادة تسييس أجندة «المرأة والسلام والأمن»،43 ولكن حان الوقت أكثر من أي وقتٍ مضى لتسييس أجندة العنف القائم على النوع الاجتماعي، بحيث يصبح العنف القائم على النوع الاجتماعي موضوعًا ملحًّا في الفضاءات السياسية ومفاوضات السلام.

يعتبر العمل الشفاف والمسؤول والمستدام في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي أمرًا حيويًّا: يجب أن تمارس الجهات المانحة ووكالات الأمم المتحدة الضغط السياسي على سلطات الأمر الواقع في الدولة للسماح بعملٍ شفافٍ ومستدامٍ حول العنف القائم على النوع الاجتماعي. ويجب أن تتخذ الحكومة اليمنية خطواتٍ جادة للتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال دعم وتمويل خطة طوارئ وطنية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وإنشاء آلية مساءلة فعَّالة لتتبُّع ورصد المساعدات في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي على الصعيدين الوطني والمحلي. كما يجب على وكالات الأمم المتحدة أن تفي بالتزامها بالحفاظ على مركزية العنف القائم على النوع الاجتماعي في خطابها. من المتوقع أن تقدم الحكومة اليمنية، أو أي سلطة فعلية على الأرض توقِّع اتفاقيات التمويل، المزيد من الدعم السياسي والمالي لإصلاح وتنفيذ خطة العمل الوطنية. ويجب أن تعمل بشكلٍ أوثق مع الشبكات المحلية للمرأة لمعالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي بطريقة أكثر واقعية وأقل استعراضًا. كما يجب أن تستمر الجهود المبذولة لإبقاء النساء داخل السلطة القضائية وإنفاذ القانون وكذلك على طاولة مفاوضات السلام، ولا يتم إسقاطها عند زيادة التركيز على أجندة العنف القائم على النوع الاجتماعي. نأمل أن يساهم ذلك في إحداث تغييرات في القوانين التمييزية، وتغييرات في السلوكيات الاجتماعية التي تتخلل العمل في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي. يجب على الوكالات المانحة والمنظمات المنفذة في قطاعي العمل الإنساني وبناء السلام التأكد من أن لديهم خبراء إستراتيجيين وممارسين مهرة في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي، لدمج مؤشرات واضحة للعنف القائم على النوع الاجتماعي عبر أطر المساءلة الخاصة بهم.

تمثِّل اللحظة الحالية التي يصل فيها الدعم العام لحقوق النساء والفتيات ذروته في جميع أنحاء العالم، فرصة للجهات الفاعلة في اليمن لإصلاح نهجها تجاه العنف القائم على النوع الاجتماعي. يتعيَّن علينا الآن أكثر من أي وقتٍ مضى أن نضمن ترجمة خطاب جميع أصحاب المصلحة لإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن إلى أفعالٍ ودولارات.


سوسن الرفاعي خبيرة في المساواة بين الجنسين وسياسة النوع الاجتماعي وأنشطة المناصرة. عملت مع الحكومات والمجتمع المدني والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في مجالات تعميم مراعاة المنظور الجنساني والحماية والمرأة والسلام والأمن. ينصبُّ عملها في المقام الأول على اليمن ودول الطوارئ الأخرى، لكنها تعمل حاليًّا على قضايا النوع الاجتماعي في أثناء حالات الطوارئ في كندا والعالم. وهي متخصصة في تصميم ومراقبة وتقييم التنمية والتدخلات الطارئة في الدول الهشَّة وفي أثناء النزاعات المسلحة. وهي حاليًّا إخصائية المرأة والنوع الاجتماعي في بلدية أوتاوا، كندا.

التحرير:
مروى باعباد وجاتندر بادا
الترجمة:
إيناس التركي (العربية)
الصورة:
الصورة لثلاث نساء نازحات في مخيم القحفة للنازحين أثناء تحضيرهن الغداء، مديرية الشمايتين، تعز من تصوير: البراء منصور

REFERENCES:
  1. مبادرة مسار السلام، منصة أدلة السلام وحل النزاعات، «علاقة السلام والصراع وكوفيد-19: التأثير في إشراك المرأة في عملية السلام في اليمن»، تقرير بحثي: سلسلة كوفيد-19، 2022. (https://peacerep.org/wp-content/uploads/2022/07/Peace-Track-Initiative-Covid-19-Nexus.pdf)[]
  2. فوزية العمَّار، وهانا باتشيت، وشمس شمسان، «أزمة جنسانية: فهم تجارِب حرب اليمن»، مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، 2019.https://sanaacenter.org/publications/main-publications/8480[]
  3. أفراح ناصر، «اليمن: لن تسافر امرأة بمفردها»، درج، 2022. https://daraj.com/en/100672.[]
  4. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، «اعتبارات النوع الاجتماعي في الاستجابة الإنسانية في اليمن»، 17 مارس 2015. (https://www.humanitarianresponse.info/en/operations/yemen/gender-considerations-humanitarian-response-yemen)[]
  5. أماندا هـ. بلير، ونيكول جيرينج، وسابرينا كريم، «إنهاء العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي في الحرب والسلام»، معهد الولايات المتحدة للسلام. 26 سبتمبر 2016. (https://www.usip.org/publications/2016/09/ending-sexual-and-gender-based-violence-war-and-peace)[]
  6. الجارديان، «نساء اليمن: الخروج من الظل»، 9 مايو 2011. (https://www.hrw.org/news/2011/05/09/yemens-women-out-shadows)[]
  7. الأمم المتحدة. التقرير السنوي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. مكتبة الأمم المتحدة الرقمية. 2018(https://digitallibrary.un.org/record/1474804?ln=en)[]
  8. الأمم المتحدة. «فريق الأمم المتحدة للخبراء الدوليين والإقليميين البارزين بشأن اليمن يقدم تقريره الرابع إلى مجلس حقوق الإنسان». بيان صحفي. 14 سبتمبر 2021. (https://www.ohchr.org/en/press-releases/2021/09/un-group-eminent-international-and-regional-experts-yemen-presents-its) []
  9. لجنة الإنقاذ الدولية، «أين المال؟ كيف يفشل النظام الإنساني في التزاماته بإنهاء العنف ضد النساء والفتيات»، 2019. (https://www.rescue.org/sites/default/files/document/3854/whereisthemoneyfinalfinal.pdf)[]
  10. United Nations agencies.[]
  11. UNHCR, “Policy on the Prevention of, Risk Mitigation and Response to Gender-based Violence”, 2020.[]
  12. لجنة الإنقاذ الدولية، «أين المال؟ كيف يفشل النظام الإنساني في التزاماته بإنهاء العنف ضد النساء والفتيات»، 2019. (https://www.rescue.org/sites/default/files/document/3854/whereisthemoneyfinalfinal.pdf)[]
  13. مجموعة الحماية العالمية. مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي. إستراتيجية 2021-2025.[]
  14. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، «خطة الاستجابة الإنسانية لليمن 2021»، 2021. (https://reliefweb.int/report/yemen/yemen-humanitarian-response-plan-2021-march-2021-enar)[]
  15. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، «خطة الاستجابة الإنسانية لليمن 2022»، 2022. (HRP)[]
  16. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، «العنف القائم على النوع الاجتماعي، لوحة معلومات مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي 2020-2022». (https://www.humanitarianresponse.info/en/operations/yemen/gender-based-violence)[]
  17. خدمات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. «https://assessments.hpc.tools/assessment/e3a513b2-5265-41e1-a378-8795f749957a»، 13 أبريل 2016.[]
  18. فيلومينا رافتري، وناتاشا هوارد، وجنيفر بالمر، ومزيدة حسين، «التنسيق في قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي في حالات الطوارئ الإنسانية والصحية العامة: مراجعة استكشافية»، الصراع والصحة، 28 يونيو 2022؛ 16 (1): 37. (https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC9238064/#CR48)[]
  19. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، «اليمن: لمحة عن الاستجابة الإنسانية»، أغسطس 2022. (https://reliefweb.int/report/yemen/yemen-humanitarian-response-snapshot-august-2022)[]
  20. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، تقرير الوضع في اليمن. 5 سبتمبر 2022. (https://reports.unocha.org/en/country/yemen/card/3X9vmoUQZh/)[]
  21. هاربيندر كولاكوت، ولورا كيرك سميث، «رأي: التمويل الإنساني للنساء والفتيات في حاجة إلى إصلاحٍ عاجلٍ»، ديفكس، 19 أبريل 2022. (https://www.devex.com/news/opinion-humanitarian-funding-for-women-and-girls-needs-urgent-reform-103047)[]
  22. لجنة الإنقاذ الدولية، «أين المال؟ كيف يفشل النظام الإنساني في التزاماته بإنهاء العنف ضد النساء والفتيات»، 2019.[]
  23. لجنة الإنقاذ الدولية. «لماذا لا تكون محلية؟ العنف القائم على النوع الاجتماعي، ومنظمات حقوق المرأة، والفرص الضائعة لـ كوفيد-19»، نوفمبر 2022. (https://www.rescue.org/sites/default/files/document/6378/irc2021whynotlocalgbvreport.pdf)[]
  24. هاربيندر كولاكوت، ولورا كيرك سميث، «رأي: التمويل الإنساني للنساء والفتيات في حاجة إلى إصلاحٍ عاجلٍ»، ديفكس، 19 أبريل 2022. (https://www.devex.com/news/opinion-humanitarian-funding-for-women-and-girls-needs-urgent-reform-103047)[]
  25. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، «اليمن: لمحة عن الاستجابة الإنسانية»، أغسطس 2022. a small proportion[]
  26. مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. احتياجات اليمن التمويلية الحرجة. 25 فبراير 2021. (https://reporting.unhcr.org/sites/default/files/UNHCR%20Yemen%202021%20Critical%20Needs.pdf)[]
  27. مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي، «اليمن، تحليل استجابة مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي»، يناير-سبتمير 2022. (https://www.humanitarianresponse.info/sites/www.humanitarianresponse.info/files/documents/files/accumalative_-gbv_aor_dashboard_jan-sept_2022.pdf)[]
  28. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، «لوحة معلومات مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي على الإنترنت 2020-2022». (https://www.humanitarianresponse.info/en/operations/yemen/gender-based-violence)[]
  29. أخبار الأمم المتحدة، «اليمن: صندوق الأمم المتحدة للسكان يركز على احتياجات المرأة وسط أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، 4 مارس 2020. (https://news.un.org/en/story/2020/03/1058591)[]
  30. عبد الكريم غانم، «أثر الحرب في اليمن في العنف ضد النساء والفتيات»، مركز دراسة أرابيا فيليكس، 4 سبتمبر 2021. (https://arabiafelixstudies.com/en/the-impact-of-war-in-yemen-on-violence-against-women-and-girls-2/)[]
  31. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، «تحسين الوصول إلى خدمات دعم العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن»، 14 يناير 2021. (https://www.undp.org/yemen/press-releases/improved-access-gbv-support-services-yemen)[]
  32. كاثرينا أيزنهوت، وإيلا ساويربورن، وكلوديا غارسيا مورينو، وفيرينا وايلد، «تطبيقات الهاتف المحمول التي تتناول العنف ضد المرأة: مراجعة منهجية»، بي إم جي جلوبال هيلث 2020 ، 5: e001954 ، https://gh.bmj.com/content/5/4/e001954[]
  33. الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية، «الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية، رصد وتحليل خطط العمل الوطنية بشأن المرأة والسلام والأمن». (http://1325naps.peacewomen.org/index.php/yemen/)[]
  34. مها عودة، «الطموح الذي لم يتحقق: خطة العمل الوطنية اليمنية للمرأة أقل بكثيرٍ مما هو منشود»، مركز ويلسون، 9 أبريل 2020. (https://www.wilsoncenter.org/blog-post/unfulfilled-ambition-yemens-national-action-plan-women-leaves-much-be-desired)[]
  35. الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية، «ضعوا حدًّا للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، في: التغييرات المقبلة: نساء يمنيات يرسمن الطريق إلى السلام»، 2019. (https://www.wilpf.org/wp-content/uploads/2019/04/WILPF_Yemen-Publication2018.pdf)[]
  36. جيفري مابيندير، «المسار الأول ونصف الدبلوماسية وتكامل المسارات»، جريدة ثقافة السلام على الإنترنت 2(1), 66-81. ISSN 1715-538X (https://peacemaker.un.org/sites/peacemaker.un.org/files/TrackOneandaHalfDiplomacy_Mapendere.pdf)[]
  37. مجموعة الأزمات الدولية، «قضية صنع سلام أكثر شمولًا -وأكثر فاعلية- في اليمن، تقرير رقم 221/الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، 18 مارس 2021. https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/yemen/221-case-more-inclusive-and-more-effective-peacemaking-yemen,[]
  38. مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، «التقرير النهائي لمنتدى اليمن الدولي 2022». https://sanaacenter.org/yif/[]
  39. الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، « بناء السلام المستدام. تحويل أوضاع النساء المتأثرة بالنزاع»، 1 سبتمبر 2022. https://www.escr-net.org/news/2022/building-sustainable-peace-transforming-conflict-affected-situations-women[]
  40. المنتدى الاقتصادي العالمي، «تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين 2022». (https://www.weforum.org/reports/global-gender-gap-report-2022/)[]
  41. تنبيه دولي، «العنف القائم على النوع الاجتماعي والسلام» ، نوفمبر 2021. https://www.international-alert.org/stories/what-has-gender-based-violence-got-to-do-with-peace/.[]
  42. مجموعة الحماية العالمية، « مجال مسؤولية العنف القائم على النوع الاجتماعي. إستراتيجية 2021-2025».[]
  43. تنبيه دولي، «عشرون عامًا من تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325 وأجندة المرأة والسلام والأمن: دروس من الميدان». ورقة السياسة: أكتوبر 2020. (https://www.international-alert.org/wp-content/uploads/2021/08/Gender-UNSCR-1325-WPS-Agenda-20-Years-EN-2020.pdf)[]
النشرة البريدية للمركز اليمني للسياسات
تابعنا على شبكات التواصل الإجتماعي
×