سام محمد

كيفية القيام بإصلاحات محددة وواقعية وقابلة للتحقيق لقطاع الأمن في اليمن


يونيو 2021

على خلفية الصراع الحالي في اليمن، يتعين تحقيق توازن جيد في المقاربات الخاصة بإصلاح قطاع الأمن لضمان عدم تمكين الجهات الفاعلة غير الحكومية التي لا تعمل لمصلحة الناس، مع ضمان عدم إقصاءها في نفس الوقت، لتجنب المزيد من الصراع. كما يناقش الباحث اليمني سام محمد، فإنه بالأساس يجب تعزيز الهياكل الأمنية المحلية التي توفر الأمن للمجتمعات حاليًا بطريقة بناءة، بغض النظر عن الآراء السياسية الأوسع حول هذه الهياكل.

بسبب غياب الحكومة اليمنية التي ما زالت تقيم في المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة، أصبح الوضع الأمني ​​على الأرض يتزايد تعقيداً. ففي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا، لا تملك مؤسسات الدولة سوى سيطرة اسمية على الأمن. في الجنوب على وجه الخصوص، فإن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، تكافح لاستعادة السيطرة على مؤسساتها الأمنية بعد خسارتها إياها لفاعلين محليين ودوليين. في هذا الإطار، أصبحت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي هي الموفر الفعلي لخدمات أمنية ضعيفة، وهي خدمات تتسم بأنها غير منظمة، وفوضوية وعشوائية.

وبالمقابل ففي الشمال، لم تعد مؤسسات أمن الدولة في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله تتعامل بحيادية، بل أصبحت مسيّسة من قبل هياكل أنصار الله الغير رسمية، التي نُسجت من خلال المؤسسات التي بناها الرئيس السابق علي عبد الله صالح على مدى سنوات عديدة، حيث استبدلت جماعة أنصار الله معظم الضباط الموالين لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بحكومة خاصة بها وهي غير مسؤولة أمام المواطنين واحتياجاتهم. حيث أنشأت هياكل قيادة جديدة للتأكد من أنها تسيطر على الشرطة وتوفر الخدمات الأمنية بشروطها الخاصة، والأساس المنطقي وراء هذه التغييرات هو التخفيف من حدة الصراع الناشئ عن الولاءات السابقة وضمان وحدة الآراء السياسية في جميع مؤسسات الدولة الخاضعة لسيطرتها.

وفي ظل غياب أي سيطرة مركزية من جانب الدولة على قطاع الأمن، أصبح مشهد الجهات الأمنية الفاعلة يتكون من تفاعل معقد بين الهياكل الأمنية والعسكرية والسياسية الرسمية وغير الرسمية. وأضحى توفير الأمن والعدالة للمواطنين من قبل مؤسسات أمن الدولة والشرطة ضعيفاً، بينما يكاد يكون وجود هذه المؤسسات ضئيلًا أو معدومًا بعض المناطق. وقد أدى هذا الدور المحدود إلى فقدان المواطنين اليمنيين الثقة في الدولة. وبالتالي من الجليّ أن الإصلاح مطلوب، ولكن كيف يمكن تصميم التدخلات لتناسب مثل هذا السياق الذي يصعب فهمه دون التسبب في مزيد من الضرر أو تمكين الأطراف التي قد تتنصل من التزاماتها تجاه حقوق الإنسان أو تلك التي لا تتشارك نفس مصالح المجتمعات المحلية؟ 

ويناقش الخبراء ثلاثة نماذج لإصلاح القطاع الأمني: النموذج الاحتكاري، والهجين، والجيد بما فيه الكفاية. الأول، والأكثر صرامة، هو نموذج الاحتكار التقليدي، وهو نهج تنازلي يتطلب من مؤسسات أمن الدولة احتكار وسائل العنف كشرط أساسي لإصلاح قطاع الأمن. ولكن نظراً للتشظي الحالي للقطاع الأمني في اليمن، فضلاً عن تأثير الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية على الجهات الفاعلة في مجال الأمن، فإن نموذج الاحتكار ليس مناسباً فيه. 

إصلاح قطاع الأمن التقليدي في اليمن غير ممكن

على الرغم من جهود الحكومة المعترف بها دولياً لاستعادة السيطرة على المناطق التي كان يسيطر عليها سابقًا أنصار الله وقوات صالح في الضالع وعدن وتعز في عام 2016، لا يزال القطاع الأمني ​​في هذه المناطق مفككًا بفضل الجهات الفاعلة الغير رسمية.

أن إتباع نموذج الاحتكار لدعم المؤسسات الأمنية للدولة في مناطق مثل تعز، على سبيل المثال، لن يؤدي إلا إلى تقوية حزب الإصلاح -القوي أصلاً- وزيادة صعوبة السيطرة عليه. وفي محافظات أخرى مثل عدن ومأرب، فإن دعم قوات الأمن التابعة للحكومة المعترف بها دولياً وهياكل الشرطة مع استبعاد موفري الأمن الآخرين المعترف بهم من قبل المجتمع، بما في ذلك قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، والجماعات السلفية، وشيوخ القبائل، من شأنه أن يدق إسفيناً بين الدولة والجهات الفاعلة من غير الدولة. وبالتالي إمكانية أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الصراع في المستقبل.

تعد الترتيبات الأمنية في الشمال موضوعاً حساساً للغاية، حيث يعتبر أنصار الله الأمن أمرًا حيويًا لضمان السيطرة على الأراضي الواقعة تحت سلطتهم. استخدم أنصار الله نهجًا إشرافياً، يربط الدائرة الداخلية للقيادة بهياكل الحكم المحلي وتعيين موالين جدد في الشرطة والمؤسسات الأمنية. وقد كانت هذه التعيينات الجديدة بمثابة إجراء تخفيفي لفرض الأمن والاستقرار. في الواقع، يعتمد النهج الذي يتبعه أنصار الله عند توفير الأمن على متغيرات مختلفة، بما في ذلك الولاء والمصالح والخلفية التعليمية والثقافية لمشرفيهم المعينين في المؤسسات المختلفة. ومن الممكن أن تؤدي التدخلات التقليدية لإصلاح القطاع الأمني في مناطق أنصار الله إلى عواقب سلبية إذا تم دعم مؤسسات الدولة بشكل مباشر. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تزويد المؤسسات الأمنية في ظل أنصار الله بالدعم العيني – الأسلحة والذخيرة – إلى نتائج عكسية حيث يمكن أن يستخدمه أنصار الله لدعم هجومهم العسكري. 

ماذا عن النهج الهجين؟

إن النهج الهجين مفرطٌ في التفاؤل بشأن آفاق عدد لا يحصى من الجهات الفاعلة غير الحكومية لتكون قادرة على توفير الأمن مع تدخل محدود من الدولة، في شكل تحالفات ومفاوضات. للوهلة الأولى، قد يبدو تطبيق هذا النموذج مثاليًا لليمن، حيث الجهات الفاعلة غير الحكومية هي بالفعل موفرة الأمن الفعلية في العديد من المجالات. ومع ذلك، فإن هؤلاء المزودين غير الرسميين للأمن هم، في الوقت نفسه، عملاء انعدام الأمن، بعد أن ساهموا في انهيار مؤسسات أمن الدولة. وبالتالي، فإن اتباع النموذج الهجين من شأنه أن يزيد من إضعاف كل من مؤسسات أمن الدولة، إلى جانب ثقة المواطنين في شرطة الدولة. في كثير من الحالات، تفتقر هذه الجهات الفاعلة إلى المعرفة الأساسية حول توفير الأمن وكيفية التعامل مع قضايا أمن المواطنين، ولا يتشاركون مبادئ أمنية مشتركة مثل حقوق الإنسان والمساءلة. بينما ولاء هؤلاء الفاعلين للدولة غير مضمون. وبالتالي، فإن تسليم سلامة وأمن السكان إليهم في نهج هجين أمرٌ محفوف بالمخاطر. بالنظر إلى أن مؤسسات الدولة الأمنية في جميع أنحاء البلاد لن تكون قادرة على السيطرة على مختلف الجهات الأمنية المحلية عبر البلد، فإن هذا النهج من شأنه أن يزيد من تشظي الدولة. 

إصلاح قطاع الأمن على المستوى الكلي (SMART)

يؤيد المدافعون عن النهج الجيد بما فيه الكفاية، أو المحدد والقابل للقياس، والتحقيق، والواقعي، والدقيق التوقيت، والمشار إليه اختصاراً بـ(SMART) تدابير الاستقرار المؤقتة للمساعدة في تشكيل الظروف الأمنية لمزيد من تدخلات إصلاح القطاع الأمني التقليدية في مراحل لاحقة. على هذا الأساس، فإن إشراك الجهات الفاعلة المحلية في تحفيز الممارسات مثل الحوار ومخاطبة الأطراف الأمنية الحالية على الأرض من شأنه أن يكسب الوقت للعودة إلى وجهات النظر المتعلقة بالمعايير الدولية، بما في ذلك دور القانون والدولة. وبالتالي، فبدلاً من اتباع نهج واحد يناسب الجميع، فإنه باستخدام نهج SMART، فإن أي تدخل سيتم تكييفه وفقًا للسياق المحلي (وليس الوطني) الذي ينوي معالجته.

وهناك بالفعل مبادرات مختلفة نجحت في تحقيق الاستقرار والأمن في مناطقها، ويمكن تعزيزها باستخدام هذا النهج. على سبيل المثال، تم استخدام الدور الذي يلعبه شيوخ القبائل في مأرب على نحو ذكي من قِبَل الحكومة المعترف بها دولياً، فقد أسست مع محافظ مأرب شراكات لتوفير الأمن للمجتمعات المحلية. وفي المناطق الشمالية من اليمن، أقام أنصار الله علاقات فعالة مع القبائل، سعت بالتعاون معها لتوفير الأمن للسكان.

يمكن لهذه التدخلات على المستوى الكلي (SMART) لإصلاح القطاع الأمني، أن تعمل -إلى حد ما- على استقرار الوضع الأمني حتى تتوصل الجهود الدولية والوطنية إلى اتفاق حول مستقبل شكل الدولة في اليمن. يمكن بعد ذلك دمج الشراكات بين الجهات الحكومية وغير الحكومية بالتعاون مع المجتمع المدني في مؤسسات الدولة. في نهاية المطاف، ستوفر مجموعة من الجهات الأمنية الحكومية وغير الحكومية خدمات أمنية للسكان في سياقات مختلفة.

ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن أنصار الله قد استغلوا نقاط الضعف على الأرض، مثل الفقر، لتجنيد الشباب غير المتعلمين والفقراء للجبهات. بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام المصالحة القبلية كغطاء لتجنيد القبائل لقضية أنصار الله. وقد تم استخدام هذه التكتيكات أيضًا من قبل الحكومة المعترف بها دولياً. ولذلك، يجب النظر إلى الاستقرار الظاهري في ضوء السياق المحلي واحتياجات السكان. 

الحاجة إلى بحث محدث حول المعارف الخاصة بحوكمة الأمن

لقد عفا الزمن على الدراسات والخطط السابقة لإصلاح القطاع الأمني بسبب تصاعد الصراع في عام 2015. إذ يتطلب تطبيق نموذج SMART تحليلًا شاملاً وحياديًا وقائمًا على النظرية لمختلف الجهات الفاعلة على الأرض، ورسم خرائط لهياكل القيادة والمصالح والتأثيرات وعلاقات القوة في جميع مناطق اليمن. هذا التحليل ضروري للتأكد من أن أي جهود لإصلاح القطاع الأمني تعتمد على السياق الحالي.

يلعب المجتمع المدني دورًا حاسمًا، بدءًا من بناء المساءلة والمراقبة والإشراف على تنفيذ الاتفاقات، إلى تسهيل الحوار بين الجهات الفاعلة في قطاع الأمن من الحكومية وغير الحكومية، وتقديم الدعم لضحايا العنف، والتدريب والتوعية بالإضافة إلى أنشطة المناصرة.

كما إن دمج المرأة في الهياكل الأمنية المختلفة وكذلك المؤسسات الحيوية الأخرى، بما في ذلك الجمارك وسلطات الأحوال المدنية والهجرة والمطارات والموانئ البرية، أمر حيوي لاستدامة الأمن والسلام. يمكن أن يضمن هذا الدمج أيضًا التوافق مع القوانين الدولية، مثل القوانين المتعلقة بحقوق السجناء، حيث إن النساء فقط هن في وضع أفضل للتعامل مع السجينات. يمكن أن يكون دور المجتمع المدني كوسيط ومراقب أيضًا عنصرًا أساسيًا في تدخلات قطاع الأمن في بعض المجالات.

سام محمد باحث يمني في قطاع الأمن

بتمويل من وزارة الخارجية الألمانية
إخلاء المسؤولية: الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء الكتاب ولا تعكس بالضرورة آراء ووجهات نظر المركز اليمني للسياسات أو الجهات المانحة له.

إخلاء المسؤولية: الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء الكتاب ولا تعكس بالضرورة آراء ووجهات نظر المركز اليمني للسياسات أو الجهات المانحة له.

النشرة البريدية للمركز اليمني للسياسات
تابعنا على شبكات التواصل الإجتماعي
×