إليونورا أرديماجني

دمج القوات في مشهد ما بعد الهجين


سبتمبر 2022

بعد سنواتٍ من الحرب، يعيش اليمن لحظة فاصلة. منذ أبريل 2022، أصبحت الهدنة الوطنية التي توسَّطت فيها الأمم المتحدة سارية المفعول، وقد حلَّ هيكل قيادة شامل، وهو مجلس القيادة الرئاسية، محلَّ الرئيس المؤقت، على الرغم من كونه مجزأ سياسيًّا. تم تشكيل لجنة تنسيق عسكرية بين الأطراف المتحاربة، من أجل التنفيذ الفني للهدنة، مما يسهل أيضًا التواصل وبناء الثقة. علاوة على ذلك، شكَّل مجلس القيادة الرئاسي لجنة عسكرية مشتركة مؤلفة من 59 عضوًا لإعادة هيكلة وتوحيد القوات المسلحة والقوات الأمنية التابعة «للمعسكر المناهض للحوثيين»، فضلًا عن وحدات المخابرات. في ظل هذه الخلفية، تقول إليونورا أرديماجني إن الوقت قد حان لإعادة تقييم خيارات اندماج الجماعات المسلحة في قطاع الأمن.

في اليمن، أدى إنشاء مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022 إلى إضفاء الطابع الرسمي على واقع ما بعد الهجين في البلاد. عندما يصبح المسؤولون و«المتمردون» أعضاء في نفس المؤسسة، كما في حالة مجلس القيادة الرئاسي الجديد، لا يعود من الممكن تصنيف حكم «الجيوش» و«الميليشيات» و«الدولة» و«الدولة المضادة» بوصفهم أقطابًا متقابلة من سلسلة خيالية متصلة. لهذا السبب، فإن النموذج الهجين -وهو أساسي لفهم الأشكال المعقَّدة لتقديم الأمن التي تم تعزيزها بعد عام 2011- يكشف الآن عن حدوده، مع تغيُّر الواقع على الأرض. تميل الحدود بين القوات الرسمية وغير الرسمية، التي تحدَّاها وقلَّص منها التهجين سابقًا، إلى الاختفاء تمامًا.  

إن ما يغير اللعبة الآن هو الاعتراف السياسي من أعلى إلى أسفل الذي تقدِّمه المؤسسات الضعيفة، لكنها لا تزال مُعترفًا بها، من خلال الاستقطاب الرسمي، إلى «السيادات الهجينة» التي تحكم الإقليم بأمر الواقع. من ناحية أخرى، تستقطب قوات الأمن النظامية والمؤسسات المعترف بها القوات غير الحكومية والكيانات المؤسسية المحتملة (مثل المجلس الانتقالي الجنوبي)، مما يعظِّم الاندماج لكن من دون تكامل حقيقي. ومن ناحية أخرى، فإن معظم القوات غير الحكومية والكيانات المؤسسية المحتملة أصبحت الآن جزءًا من قوات الأمن النظامية والمؤسسات المعترف بها، وبالتالي اكتسبت وضعًا قانونيًّا يعزِّز شرعيتها. لكن الاعتراف التدريجي بالجماعات المسلحة والكيانات التي نصبت نفسها بنفسها، بينما يستمر الصراع الطويل ومراكز القوة المتعددة في تقويض السيادة المؤسسية، يصوغ واقعًا جديدًا يتغلب على التهجين. من هو الممثل «الرسمي»، ومن هو اللاعب «غير الرسمي» في اليمن اليوم؟ هل لا تزال هذه التصنيفات مهمة، عندما يتعلق الأمر بتصميم مسارات دمج موجهة محليًّا؟ 

متنافسون حول نفس طاولة الأمن

في مجلس القيادة الرئاسي، يجلس الآن قادة أقوى الجماعات المسلحة، بدرجاتٍ متفاوتة من التهجين مع القوات النظامية، جنبًا إلى جنبٍ (باستثناء الحوثيين) مع أشخاصٍ من مؤسسات مُعترف بها دوليًّا. على سبيل المثال، فإن عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو كيان نصَّب نفسه بنفسه وله جماعات مسلحة تابعة، يطالب بالحكم الذاتي/الاستقلال للمناطق الجنوبية، هو عضو في المجلس. مع ذلك، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي، بشكلٍ رسمي، هو أيضًا جزء من الحكومة المعترف بها في عدن منذ أواخر عام 2019، كجزء من «اتفاقية الرياض». 

علاوة على ذلك، فقد فشلت بشكلٍ كبيرٍ حتى الآن محاولات بناء التحالف بين الجماعات المسلحة، فضلًا عن الدمج الفعَّال من قِبَل المؤسسات المعترف بها، بسبب التنافس على السلطة والأجندات المختلفة. على سبيل المثال، فإن اثنين من قادة قوات الساحل الغربي، رئيس قوات المقاومة الوطنية طارق صالح، وقائد كتائب العمالقة أبو زرعة، كلاهما عضوان في مجلس إدارة المجلس، على الرغم من كونهما جزءًا رسميًّا من المظلة العسكرية المشتركة بقيادة صالح.

ويؤثر ذلك أيضًا في اندماج الجماعات المسلحة في قطاع الأمن. بصفة عامة، يعتبر قطاع الأمن العادي مختلفًا بشكلٍ كبيرٍ عن المجموعات التي تطمح إلى الاندماج. مع ذلك، فهذا ليس هو الحال في مشاهد ما بعد الهجين مثل اليمن. إذن، ماذا عن اندماج الجماعات المسلحة في بيئة ما بعد الهجين، خاصة إذا كان لا يزال هناك غيابٌ لمركز سلطة مشترك للسلطة المؤسسية؟ لا يمكن للدمج أن يتبع صيغًا ثابتة، مع ذلك، فهناك حاجة إلى رؤية وطنية للحد من مزيدٍ من التشرذم، ولدعم الوحدة الوطنية. يجب أن يتحرك الدمج على ثلاثة محاور: يجب أن يكون موجهًا محليًّا، وموجهًا نحو المهام، مع خطوات للتنفيذ التدريجي.

خيارات التدعيم للأمن المتكامل والقائم على المستوى الإقليمي

إن ورقة السياسات التي كتبتها بعنوان «دمج الجماعات المسلحة في اليمن: مسارات اللا مركزية» توفر خيارات تدعيم «للأعمال الجارية»، وبالتالي تركز على جانب معين من إصلاح/حوكمة قطاع الأمن، مع تقديم حزم للدمج أيضًا. مع ذلك، فهي مرنة وقابلة للتعديل في أثناء التنفيذ، وتنشأ من منظورين للعلاقات بين المركز والأطراف، والتي تفسح المجال أيضًا للاختيارات المتزايدة. توضح الورقة خيارات الدمج في الأجهزة القائمة: قوات الشرطة، وخفر السواحل اليمني. كما توفر أيضًا خيارات الدمج في الأجهزة الجديدة المنشأة لهذا الغرض: الحرس الإقليمي اليمني، والحرس الوطني اليمني، وكلاهما يتطور ضمن رؤية يمن موحدٍ وفيدرالي، وفقًا للوثيقة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني لعام 2014.

يصور خيار سياسة الحرس الإقليمي اليمني سياقًا لا مركزيًّا ملحوظًا في العلاقات بين المركز والأطراف، مع العديد من الصلاحيات المخصصة للمحافظات والسلطات المحلية. يعكس هذا الخيار الوضع الحالي على الأرض، والذي تم فيه تحقيق فيدرالية فعلية للبلد، على الرغم من عدم حكمها من خلال الوسائل المؤسسية. من شأن خيار الحرس الإقليمي اليمني إضفاء الطابع المؤسسي على هذا الواقع، مع نقل العديد من الصلاحيات من المؤسسات الوطنية إلى المحافظات والسلطات المحلية. يصور خيار سياسة الحرس الوطني اليمني سياق اللا مركزية المحدودة في العلاقات بين المركز والأطراف، مع نقل بعض السلطات من المؤسسات الوطنية إلى المحافظات والسلطات المحلية.

فيما يتعلق بالتسلسل، يمكن معايرة خيار الحرس الإقليمي اليمني وتعديله اعتمادًا على تطور السياق السياسي المؤسسي، وبالتالي تأكيد أو تقليل الترجمة العملية على أساس المبدأ الاتحادي. بهذه الطريقة، يمكن اعتبار خيار سياسة الحرس الوطني اليمني كخيارٍ بديلٍ للحرس الإقليمي اليمني لبناء يمن أقل لا مركزية. لكن يمكن اعتبار خيار الحرس الوطني اليمني أيضًا «المرحلة الثانية» من الحرس الإقليمي اليمني، في حالة التوصُّل أخيرًا إلى اتفاقٍ سياسي على المستوى الوطني.

حلول مصمَّمة محليًّا لتحقيق دمجٍ مستدامٍ

يحدد بحثي ملامح الحرس الإقليمي المحتمل. في هذا الإطار، فإن القوات اليمنية التي تنظمها وتدعمها الإمارات العربية المتحدة (مثل قوات النخبة الحضرمية، وقوات النخبة الشبوانية السابقة، وبدرجة أقل قوات الحزام الأمني) تعد بمثابة أمثلة ملموسة على كيف يمكن أن تكون «الوحدات الأولية» للقوات المحتملة للحرس الإقليمي اليمني والحرس الوطني اليمني. في الواقع، تجمع القوات المدعومة من قبل الإمارات العربية المتحدة بين التجنيد المحلي، ونطاق العمل المحلي، وتطوير خبرات محددة، خاصة فيما يتعلق بمهارات مكافحة التمرد.

تبقى القضية الرئيسية هي كيفية التعامل مع الحوثيين. تمكنت الحركة المتمركزة في صعدة من توطيد السلطة، بدلًا من تفريقها في مشهد الحرب، والجمع بين الاندماج التعاوني والتنافسي، ثم القسري. هذا هو بالضبط عكس ما حدث للمعسكر المناهض للحوثيين، الذي أضعفته الهويات المتنافسة على المستوى الإقليمي، والتشرذم الأيديولوجي، والاقتتال الداخلي. أيضًا، في حالة الحوثيين، يمكن أن تركز جهود الدمج على معظم الوحدات/المقاتلين الخارجيين، وخاصة أولئك القادمين من الأطراف الجغرافية للحوثيين، أو الموالين لكتلة الرئيس السابق صالح.

يعد تفريغ حزم دمج القوات هو الوسيلة لتحديد نقاط البداية نحو التدعيم (على سبيل المثال، إنشاء وحدة حرس إقليمي يمني في مكانٍ ما في مهمة محددة). يجب ألا يقتصر تدعيم الجماعات المسلحة و/أو المقاتلين على إيجاد أجهزة بديلة للدمج فحسب (على سبيل المثال الشرطة، وخفر السواحل اليمني، والحرس الوطني اليمني، والحرس الإقليمي اليمني)، لكنه عليه أيضًا تحديد خطوات تدريجية صغيرة النطاق لتنفيذ بدء الدمج، على سبيل المثال على المستوى الفرعي للمحافظة/البلدية.

فيما يتعلق بالتوقيت والتسلسل، يمكن تصميم بعض خيارات الدمج وتنفيذها قبل التوصل إلى اتفاقٍ سياسي، وربما الاستفادة من مناطق خفض التصعيد الافتراضية (على سبيل المثال، وحدة موانئ خاصة بخفر السواحل اليمني في المخا بمحافظة تعز، ووحدة إزالة ألغام تابعة    للحرس الإقليمي اليمني/الحرس الوطني اليمني في الخوخة بمحافظة تعز، ووحدة لمكافحة الإرهاب تابعة للحرس الإقليمي اليمني/الحرس الوطني اليمني في شبوة، خاصة الآن بعد عودة الهجمات في شبه الجزيرة العربية، التي من المرجح أن تنظيم القاعدة وراء تنفيذها). يمكن متابعة الدمج على مستوى المحافظة لاحقًا (على سبيل المثال، شعبة الحرس الإقليمي اليمني/الحرس الوطني اليمني في تعز، وشعبة الحرس الإقليمي اليمني/الحرس الوطني اليمني في شبوة)، كخطوة ثانية من إصلاح/حوكمة قطاع الأمن.

على أي حالٍ، لا يمكن أن يسترشد هذا النهج بأساليب متجانسة، إذ إنه يحاول تقديم إجاباتٍ مصمَّمة محليًّا كي تكون فعَّالة ومستدامة، ومع ذلك، فإن هناك حاجة إلى رؤية وطنية لدمج القوات للحد من التشرذم ودعم الوحدة الفدرالية.


هذا المقال عبارة عن مقتطفٍ منقحٍ بعض الشيء، من ورقة سياسات أعدَّها المؤلف بعنوان: «دمج الجماعات المسلحة في اليمن: مسارات اللا مركزية»، التي نشرها المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، في يوليو 2022.

إليونورا أرديماجني هي زميل أبحاث مشارك في  المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، ومدرس مساعد في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، وأستاذ مساعد في كلية الدراسات العليا للاقتصاد والعلاقات الدولية. وهي مؤلفة كتاب «الحوثيون: لاعبون قادرون على التكيف في مناطق اليمن الجغرافية المتعددة»، جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، إيدوكات، 2019. وقد نشرت للتوِّ فصلًا بعنوان «الحدود اليمنية السعودية: الحوثيون وتطور الحوكمة الأمنية الهجينة»، في كتاب «الحركة الحوثية في اليمن: الأيديولوجيا والطموح والأمن في الخليج العربي»، تحرير عبد الله حميد الدين، أي بي توريس، بلومزبري، 2022.

إخلاء للمسؤولية: وجهات النظر والآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف، ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر وآراء المركز اليمني للسياسات، أو مواقف المؤسسات الأخرى.

التحرير:
جاتندر بادا
الترجمة:
إيناس التركي (العربية)

النشرة البريدية للمركز اليمني للسياسات
تابعنا على شبكات التواصل الإجتماعي
×