أدى الصراع في اليمن إلى ظهور العديد من الجماعات المسلحة. فقد تصدرت ألوية العمالقة عناوين الصحف لتأثيرها على ديناميكيات الصراع أثناء إخراجها الحوثيين من شبوة وأجزاء من مأرب. تحدثنا مع الباحث في الشئون اليمنية لوران بونيفوي حول ألوية العمالقة وصلاتها بالشبكات السلفية الأوسع.
حظيت المكاسب الأخيرة التي حققتها ألوية العمالقة مرة أخرى باهتمام كبير تجاه هذه القوات. وبينما وصفتهم التغطية الإعلامية بأنهم جماعة سلفية إلا أن آخرين لم يؤيدوا هذه التسمية واصفين إياها بدلاً من ذلك بأنها بقيادة سلفيين. ما هي قراءتك بخصوص العمالقة وكيف ترى الفرق بين التسميتين؟
لطالما كان تصنيف الأفراد والجماعات في اليمن موضوع نقاش بين الجهات الفاعلة نفسها. مثل مصطلح “الاشتراكي” من قبل أو “الجهادي” على مدى العقدين الماضيين، إلا أن تسمية “السلفي” مثيرة للجدل وقد استخدمها خصوم بعض الجماعات بشكل متزايد لنزع الشرعية عنهم. لذلك سأكون دائمًا حذرًا عندما يتعلق الأمر باستخدام هذا المصطلح في سياق مجموعات الميليشيات النشطة على الأرض. أولاً، أشعر أن المقاتلين أكثر تنوعًا مما نعتقد عادةً حيث يحتشدون حول قضايا حماية الأرض أو من أجل الرواتب بصورة أكثر تواتراً من احتشادهم لأجل أيديولوجية. على الرغم من حقيقة أن السلفية في مرحلة ما قد تكون وقودًا قويًا للقتال خارج معاقلها. علاوة على ذلك، تم إضعاف السلفية خلال السنوات الأخيرة من خلال اندماجها مع حركات أوسع، بينما كان إنشاء الجماعات السلفية المقاتلة هو الاستثناء.
ومع ذلك، من الواضح أن عددًا من قادة ألوية العمالقة كان لهم مسار يربطهم مباشرة بالشبكات السلفية، وأبرزهم بالتأكيد أبو زرعة (المعروف أيضًا باسم عبد الرحمن المحرمي) من يافع وحمدي شكري الصبيحي، اللذان يُزعم أنهما تلقيا تدريبهما في دماج مهد الحركة السلفية في اليمن. أصيب كلاهما بصدمة بعد إغلاق معهد دماج بعد أن حاصره الحوثيون في عام 2014، تمامًا مثل نظيرهما في المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس. وباعتبارهم من الشخصيات السلفية من الدرجة الثانية قبل عام 2015 فقد اكتسبوا مكانة بارزة من خلال المواجهة العسكرية مع الحوثيين وخصوصاً في عدن.
من المهم أيضًا أن الإشارة إلى أن تسمية العمالقة يمكن فهمها على أنها إحالة دينية، ومع ذلك فهي غامضة في المعاني التي تحملها. يظهر الاسم في القرآن كقبيلة قوية كانت موجودة قبل الإسلام “قوم عاد”، وكذلك في العهد القديم كعدو لدود لليهود. هذه الإحالة مثلها مثل عبارة “الله أكبر” الذي يظهر على شعار المجموعة والتي تبرر توصيف العمالقة على أنهم بقيادة سلفيين. ومع ذلك، في أذهان العديد من اليمنيين كان
اسم العمالقة” اسمًا لقوى النخبة التي تأسست في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي في السبعينيات وبالتالي لديها معنى قومي وعلماني.
أين تضع العمالقة في سياق الانتشار الواسع للجماعات العسكرية السلفية في اليمن؟
منذ بداية الحرب كان أحد أهم الاتجاهات داخل الحركة السلفية المتشظية هو عسكرة الحركة. وضعت الحرب نهاية قاسية لديناميات التسييس التي ظهرت بعد “الربيع اليمني” عام 2011 حول حزب اتحاد الرشاد. وبسبب العداء الطويل مع الحوثيين؛ كان من السهل تعبئة السلفيين من جميع الأطياف كما أظهر القتال في عدن في عام 2015. أيضًا على عكس عدد من رجال القبائل الذين بدوا مترددين في القتال خارج حدود أراضيهم؛ كان رجال الميليشيات السلفية على استعداد للانتشار ومحاربة الحوثيين أينما كانوا، وهذا هو السبب الذي جعل قادة مثل أبو العباس في تعز أو بسام المحضار في الجنوب يكتسبون بعض الأهمية، لا سيما من خلال الدعم الذي تلقوه من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ومع ذلك، فإنني أتحفظ عندما يقال إننا نشهد انتشارًا للجماعات العسكرية السلفية في اليمن. على عكس النموذج السوري الذي ولد العديد من الميليشيات على أساس أيديولوجيات محددة؛ فقد اندمجت الجماعات السلفية في اليمن بسرعة مع حركات أو ميليشيات أخرى غير أيديولوجية، إن لم يكن مع الجيش. كان هذا هو الحال على سبيل المثال مع مجموعة أبو العباس التي تم دمجها مع اللواء 35 مدرع. كما تتميز ألوية العمالقة بعلاقتها مع طارق صالح حيث كانوا يقاتلون على الساحل الغربي؛ وهم ينسقون مع مجموعات أخرى منها المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة في شبوة. بينما قد يسيطر السلفيون على الجنود فإنني أشك في أن يكون لديهم اليد العليا سياسياً أو أنهم يبحثون عنها، وربما هذا هو السبب وراء دعمهم من قبل لاعبين إقليميين.
برأيك ما هي الاتجاهات الرئيسية التي أدى بها الصراع الدائر إلى تغيير السلفية في اليمن، على المستويين الذاتي والتنظيمي؟
من الواضح أن تغيراً على مستوى الأجيال قد حدث. ما أريد قوله هو إن لدينا الآن موجة ثالثة من السلفيين، بعد الآباء المؤسسين الذين يعبر عنهم بمقبل الوادعي حتى وفاته في عام 2001، فقد وقع الجيل الذي أتى بعدهم في خلافات لا تنتهي أدت إلى تشظي الحركة السلفية في قضايا مرتبطة بالتسييس. الموجة الثالثة يجسدها رجال ذوو مؤهلات مكتسبة في ساحة المعركة وهم أقل اهتمامًا بالنقاء الأيديولوجي والديني ويتقبلون بشكل واضح أن يتم استخدامهم كأداة من قبل القوى الإقليمية.
ومن المثير للاهتمام أن الجيل الثاني قد تم تهميشه جزئيًا بسبب عدم استعداده للانخراط بشكل واضح في القتال. فقد أمضى يحيى الحجوري بعد أن طرده الحوثيون قسراً من دماج في عام 2014 بعض الوقت في المملكة العربية السعودية لكنه لم يؤيد بالكامل الاستراتيجية العسكرية للتحالف. عاد مؤخرًا إلى اليمن وأصبح صوته مسموعاً أكثر، وأضحى مستعدًا على ما يبدو للعب دور في المقدمة؛ لكنه تعرض للتهميش. وبالمثل، فإن استراتيجية محمد الإمام للمصالحة مع الحوثيين في معبر-وهي منطقة على بعد 25 كيلومترًا شمال ذمار- قد أضعفت مصداقيته في نظر العديد من السلفيين.
بالمقابل؛ كيف تعتقد أن الأهمية المتزايدة للجماعات السلفية المسلحة في أجزاء مختلفة من البلاد قد غيرت اليمن؟ (كيف) سيشكل هذا الأمور بمجرد انتهاء الصراع في النهاية؟
لست متأكدًا من أن الدور الذي لعبه السلفيون على الجبهة العسكرية قد غيرّ اليمن بالفعل، لا سيما وأن عمق استخدامهم كأداة من قبل اللاعبين الإقليميين قد أضحى جلياً. تدهشني دائماً حقيقة أن قادة مثل هاني بن بريك لا يتظاهرون حتى بإخفاء حقيقة أنهم يعتمدون على استراتيجية الإمارات العربية المتحدة. صورته الشخصية على تويتر التي تحمل علم الإمارات العربية المتحدة، وزياراته العديدة إلى أبو ظبي ربما لا تساعد السلفيين الذين تم تصويرهم في كثير من الأحيان على أنهم دمى للسعوديين منذ الثمانينيات، بأن يظهروا باعتبارهم يدافعون عن مصالح اليمنيين العاديين أو المسلمين.
على المستوى الاجتماعي، من الصعب قياس التغيرات الحالية في العادات أو التدين. ومع ذلك، أشعر بالقلق من أن الرواية الطائفية التي يدفعها السلفيون وآخرون، وعلى الأخص الحوثيين، لا تزال تكتسب أهمية في نظر الكثيرين. سيكون رأب هذا الصدع مهمة صعبة للغاية بالتأكيد.
كيف ينبغي لأصحاب المصلحة الرئيسيين وصانعي السياسات أن يدركوا الأهمية المتزايدة لهذه المجموعات؟ هل القضية متعلقة بمحاولة زيادة المشاركة؟
لطالما استحوذ النقاش حول الاندماج والوسطية على تحليل الحركات الإسلامية. هل المجتمعات أفضل حالاً – بمعنى أقل احتمالاً للتأثر بالعنف – عندما يشارك الإسلاميون في السياسة، أم ينبغي استبعاد هؤلاء وتجريمهم؟ هل المشاركة هي أفضل طريقة لتحقيق الوسطية؟ من الواضح أنه لا يمكن للمرء أن يجيب على هذه الأسئلة الصعبة بطريقة مدروسة. يبدو أن حكام اليمن اعتبروا لعقود أنه ينبغي استيعاب الإسلاميين من مختلف الأطياف، وكان السلفيون من بين المستفيدين الرئيسيين من هذه الاستراتيجية حيث أقامت دماج علاقة خاصة مع الكثير من الأجهزة الأمنية. إلى حد كبير، أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها قبل أن تتدهور بعد 11 سبتمبر بسبب قمع الدولة وبسبب التطورات الداخلية للإسلاميين ولا سيما الجهاديين.
في سياق الحرب الحالية، يعد دمج المقاتلين السلفيين في الجهود العسكرية الأوسع نطاقا؛ بطريقة ما، تكرارًا لهذه الاستراتيجية – وإن كان ذلك ضمنيًا وربما بأجندة جديدة تمت صياغتها في أبو ظبي والرياض. من الصعب معرفة النتيجة، لكن من المشكوك فيه أن تؤخذ مصالح اليمنيين العاديين بعين الاعتبار. ومع ذلك، لا يحتاج صانعو السياسات على جميع المستويات بالضرورة إلى الانحياز إلى جانب في النقاش حول الوسطية والاندماج، إذ أن الأهم من ذلك، أن يكونوا قادرين على التكيف مع الشخصيات السلفية، الذين يشكلون -سواء أحبوا ذلك أم لا- جزءًا من الطيف السياسي والديني في اليمن.
لوران بونيفوي باحث في المركز الوطني للبحث العلمي في معهد علوم السياسة بفرنسا. كتب بكثافة عن السياسة اليمنية والحركات الدينية. من منشوراته السلفية في اليمن. عبر الوطنية والهوية الدينية (هيرست، 2011) واليمن والعالم. وما وراء انعدام الأمن (هيرست، 2018).
آدم بارون كاتب ومحلل سياسي وعضو مجلس إدارة المركز اليمني للسياسات. كان يقيم في اليمن من 2011 إلى 2014.
إخلاء المسؤولية: الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء الكتاب ولا تعكس بالضرورة آراء ووجهات نظر المركز اليمني للسياسات أو الجهات المانحة له.
جاتندر بادا
فاطمة صالح (العربية)
أحمد الهجري