شيماء بن عثمان

حضرموت: الفساد وعدم الاستقرار يغذي الاحتجاجات والانقسام


نوفمبر 2021

بينما يعتبر المراقبون الدوليون في كثير من الأحيان حضرموت منارة اليمن للأمن والاستقرار، تشير الاحتجاجات الأخيرة إلى أن هذا الاستقرار قد يكون سطحياً. تقول شيماء بن عثمان إن الفساد المستشري قد غيرّ مواقف الناس ضد السلطة المحلية، حيث أدت حالة عدم الاستقرار الحالية إلى تأجيج الرغبة المحلية في استقلال حضرموت. وهذا يزيد من عدد المناطق الراغبة في تقرير المصير، ويزيد من تقويض وحدة اليمن.

أدى انتشار الفساد في السلطة المحلية في حضرموت إلى احتجاجات أسقطت الدعم عن السلطة المحلية، وخاصة عن المحافظ اللواء فرج سالمين البحسني. وبينما تزعم السلطة المحلية أن الحوثيين وراء إشعال فتيل هذه الاحتجاجات من أجل تسهيل سيطرتهم العسكرية على المحافظة. إلا أن الأحداث الأخيرة هي نتيجة للدلائل المنتشرة على وجود الفساد وتجاهل السلطة المحلية المتعمد لاحتياجات الناس: انهيار الخدمات الحكومية وسط انتشار الفقر. الأمر المحبط للناس أيضاً هو معرفة بأن حضرموت هي المصدر الأساسي لموارد الحكومة المعترف بها دوليًا، بينما في المقابل لا يجد الناس ضروريات الحياة فيها، مثل الكهرباء، والرعاية الصحية المتيسرة، وتلبية الاحتياجات الأساسية للحياة اليومية.

وعلى الرغم من أن حضرموت يُنظر إليها على أنها النموذج اليمني الأمثل للاستقرار والحكم الرشيد، إلا أنها تواجه صراعات داخلية بين القادة السياسيين على الموارد والأموال الحكومية مهددة بزعزعة استقرار المحافظة. بينما يدفع الفساد المستشري السكان إلى النزول إلى الشوارع، حيث يدعون إلى محاكمة السلطة المحلية ويطالبون بأن تذهب ثروة حضرموت لأهلها.  يغذي هذا السياق المطالب بالاستقلال الحضرمي، فحضرموت كانت في السابق جزءًا من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الدولة اليمنية الجنوبية التي كانت حتى عام 1990 مستقلة عن الشمال. وفي محافظة حضرموت يتبنى السكان آراء مختلفة، حيث يدعم البعض انفصال الجنوب، ويعزز البعض فكرة الدولة الحضرمية المستقلة، بينما يفضل البعض الآخر استمرار وحدة اليمن ضمن نظام فيدرالي.

الزيادات الحادة في أسعار الغذاء والوقود

على الرغم من أن حضرموت هي أغنى محافظات اليمن، إلا أن هناك يأساً منتشراً في أوساط سكانها. ففي مارس 2021 خرجت الأمهات في مسيرة في الشوارع، مطالبات بإنهاء الفساد وغلاء المعيشة، فيما أطلقوا عليه “ثورة الجياع”. وقد كانت أم أحمد -وهي ربة منزل وأم لأربعة أطفال-، أول امرأة حضرمية تطأ شوارع مدينة المكلا مع أطفالها خلال الاحتجاجات الأخيرة مدفوعة بالجوع والفقر، الأمر الذي أثار التساؤلات حول مصير ثروة حضرموت. وضع أم أحمد يشبه أوضاع العديد من العائلات في حضرموت مع معيل واحد، وفي حالتها فالمعيل الوحيد هو زوجها. وزوجها -مثل الكثير- يتلقى راتبًا حكوميًا لم يتغير منذ سنوات، على الرغم من زيادة تكاليف المعيشة بنسبة 500-700% منذ عام 2014.

على الرغم من أن ساحل حضرموت معروف بوفرة أسماكه، لكن حالياً وبسبب الصادرات العشوائية غير الخاضعة للرقابة من قبل التجار من القطاع الخاص لم يعد بمقدور معظم الناس في حضرموت شراء الأسماك لأن السعر يتجاوز القدرة الشرائية لهم. فتكلفة الوجبة الواحدة لأسرة مكونة من خمسة أفراد تكلف حوالي 5% من قيمة راتب العائل. فقد ارتفع سعر السردين -وهو أحد أرخص الأسماك-بأكثر من 150% من قيمته السابقة. علاوة على ذلك، هناك تلاعب مثير للقلق في الأسعار من قبل تجار السلع الأساسية مثل: حفاضات الأطفال. ووثق الصحفي عبيد واكد تجربته في شراء الحفاضات عبر صفحته على فيسبوك: فقد ارتفع السعر خلال أسبوعين من 6800 ريال يمني إلى 10200 ريال.

وقد نظم طلاب جامعة حضرموت اعتصامًا في مارس 2021 لأنهم لم يتمكنوا من دفع رسوم المواصلات للالتحاق بالجامعة. ومؤخراً، كانت هناك زيادة في أسعار البترول إلى 1000 ريال للتر الواحد، ويمكن أن تصل أسعار الحافلات في مشوار 10 دقائق في المناطق الداخلية بالمحافظة إلى 500 ريال للفرد – وهي زيادة معيقة بنسبة 400% في غضون بضع أشهر. حيث سيحتاج الموظف من الطبقة المتوسطة إلى 1000 ريال يمني على الأقل للذهاب اليومي إلى العمل، أي ما يعادل 40٪ من متوسط ​​الراتب. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب تقلبات أسعار الصرف، فإن معظم إيجارات المنازل بالريال السعودي متجاوزةً قدرة المستأجرين على السداد.

يموت المواطنون في خضم الكفاح اليومي للحصول على ضروريات الحياة، ويعانون من الجوع والمرض والفقر بينما تفيض جيوب القادة السياسيين. ومع ذلك، فقد حثّ البحسني في تسجيل صوتي واسع الانتشار مخاطباً فيه الناس إلى تقليل وجباتهم ونفقاتهم وطالبهم بدفع فواتيرهم من أجل الحصول على الكهرباء. وقد أثار هذا غضبًا كبيرًا بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تكافح العديد من العائلات في حضرموت من أجل المقدرة على توفير وجباتهم اليومية.

سوء الإدارة والمحسوبية

حضرموت هي أغنى محافظة في اليمن والمصدر الرئيسي لإيرادات الحكومة، ويبلغ إنتاجها النفطي حوالي 100 ألف برميل يوميًا، وهو ما يمثل حوالي نصف ثروة اليمن النفطية الحالية. وبجانب النفط والغاز، تعد حضرموت أيضًا المصدر الرئيسي للذهب، حيث بلغت قيمة الصادرات من الذهب 531 مليون دولار أمريكي في عام 2016 و501 مليون دولار أمريكي في عام 2017. وبينما يواجه سكانها فقرًا متزايدًا، يعيش قادتها حياة الرفاهية. وبالنسبة للحضرميين، فإن هذا تناقض صارخ ما بين: مستوى معيشتهم المتدهور مقارنة بأساليب الحياة المترفة لأولئك الذين أصبحوا مسؤولين في السلطة المحلية. وقد يكون أحد أكثر المواقف استفزازًا للسكان المحليين هو عندما تغرق منازلهم في الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي، بينما منزل المحافظ وحلفاؤه مضاء بالأنوار على مدار24 ساعة في اليوم.

بحسب القانون، فإن أعلى منصب مدفوع الأجر داخل الحكومة اليمنية هو منصب رئيس الجمهورية بمبلغ 250 ألف ريال. ووفقًا لسعر الصرف الداخلي المعمول به في السوق السوداء، فإن هذا الراتب يقدر الآن بحوالي 250 دولارًا أمريكيًا. وبالتالي، فإن أي منصب أقل من الرئيس يحصل على راتب أقل. يتساءل المرء كيف يمكن لهؤلاء المسؤولين المحليين توفير أسلوب حياة مترف بهذه الميزانية. فالمحافظ البحسني لديه حوالي 15 وكيل محافظة و29 مستشارًا، يتقاضى كل منهم مخصصات مالية دون مسئوليات وظيفية واضحة. يعتقد الناشطون أن أحد أسباب تدهور القطاع العام هو سوء إدارة السلطة المحلية والمحسوبية. ولعل المثال الأكثر شهرةً هو وكيل المحافظة الشاب فهمي باضاوي، الذي ليست لديه أي مؤهلات ذات صلة بالقطاع الطبي، لكنه منح الملف الصحي لحضرموت وأصبح المشرف المعين لمراكز العزل التي تتعامل مع جائحة كوفيد-19.

وقد كشف تقرير حديث أن شركة النفط اليمنية) فرع ساحل حضرموت (لديها حوالي 50 شخصًا على قائمة متعاقدي العمل فيها ممن هم من أقارب مسؤولي السلطة المحلية. وكان أبرز الموظفين المحتملين فيها هم أقارب صالح الشرفي وهو مستشار المحافظ للشؤون الدينية، وأفراح خان، مدير عام إذاعة المكلا، ومدير البرامج في تلفزيون حضرموت الحكومي وزوجة البحسني. يذكر بأنه تم تعيين ابنة خان، خليل بامطرف، وكيلاً للمحافظ لشؤون المرأة مستبعداً نساء أخريات أكثر تأهيلاً وانخراطاً في المجتمع في حضرموت. ومنذ تعيينها، كانت غير نشطة فيما يتعلق بأي مسألة تتعلق بقضايا المرأة. إن هذه الممارسات ليست سوى غيض من فيض.

يغذي الفساد حركة الاستقلال المحلية

منذ سبتمبر 2021، كانت هناك زيادة في احتجاجات وتظاهرات الشوارع في حضرموت، وهي تبني على مسيرات ومظاهرات متفرقة على مدار السنوات الثلاث الماضية، مما أدى إلى ردود فعل عنيفة من قبل قوات السلطة المحلية. فقد أصيب وقُتل شبان على يد قوات الأمن خلال الاحتجاجات. لكن الأجواء في الشوارع مختلفة عند مقارنتها بالتجارب السابقة، حيث يطالب الناس الآن بانسحاب جميع أطراف النزاع، وإزاحة البحسني، ومحاسبة الحكومة. وقد وجه المتظاهرون هتافات احتجاجية إلى السلطة المحلية والتحالف العربي بقيادة السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي. بالنسبة للبعض، أصبح الحلم المثالي باستقلال الجنوب مشوهًا بسبب فساد وسوء إدارة أولئك الذين يدعون أنهم يمثلون أولئك الذين يدعون إلى الاستقلال، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي. يرى المتظاهرون أن الوضع في عدن في ظل المجلس الانتقالي الجنوبي لا يختلف كثيرًا عن المكلا، إن لم يكن أسوأ، من حيث توفير الخدمات، وبالتالي يرفضون سلطته.

أنه لمن المقلق أن يقول المتظاهرون في بعض المناطق أنهم يفضلون سلطة الحوثيين. حيث يُعتقد على نطاق واسع أن الاقتصاد أكثر استقرارًا في مناطق الحوثيين حيث يتم تبادل الريال عند سعر 600 مقابل الدولار. بالمقابل، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، يتجاوز المبلغ 1000 ريال. بالإضافة إلى ذلك، فإن أحد المطالب الرئيسية من المحتجين هو أن توقف السلطات المحلية صادرات النفط من حضرموت – أحد مصادر الإيرادات الرئيسية للحكومة. توضح هذه الأمثلة مدى سقوط مؤسسات الحكومة في شرعيتها أمام الناس. ويغذي عدم الاستقرار الحالي مشاعر الاستقلال المحلية، مما يؤدي إلى إضعاف حكومة الرئيس هادي أكثر. كل هذا يشير إلى أن الناس لم تعد تثق بالحكومة، مما يجعل الحضرميين أكثر ميلاً لرفض الوحدة اليمنية في المستقبل.

يمكن للشفافية والمساءلة فقط وقف هذا التدهور المتسارع، ولا يمكن تحقيق سلام شامل ومستدام في اليمن بدون حكومة تتمسك بهذه المبادئ. علاوةً على ذلك، يجب على أعضاء مجلس الوزراء العودة إلى اليمن. يريد الناس رؤية قادة يعيشون في نفس ظروفهم ويتلقون رواتبهم بالعملة اليمنية، ويحصلون على رعاية صحية في المستشفيات المحلية، ويتم اختيارهم لشغل مناصبهم على أساس الجدارة وليس على أساس العلاقات الشخصية. يجب على القادة السياسيين وجميع الأطراف المعنية في اليمن أن يفهموا أن الجياع والخائفين سيمضون وراء أولئك الذين يوفرون لهم الغذاء والاستقرار والأمن، بغض النظر عن أي توجهات سياسية.


انضمت شيماء بن عثمان إلى المركز اليمني للسياسات في عام 2019. بصفتها مؤسسة مشاركة لنادي تكوين الثقافي ومبادرة ميمز للفنون، فهي ناشطة اجتماعية ومتطوعة تركز على الفنون كأسلوب للتغيير الاجتماعي. وهي أيضًا كاتبة مستقلة لها العديد من المقالات المنشورة في مجلة المدنية. وبصفتها كزميل باحث في المركز، تركز أبحاثها على النساء والشباب، من بين مواضيع أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فهي باحثة في برنامج رواد الغد-مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية MEPI Tomorrow’s Leaders وتسعى للحصول على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من الجامعة الأمريكية في بيروت.

المانح:
وزارة خارجية ألمانيا الاتحادية
التحرير:
المحررون: مرايكا ترانسفيلد
محررو النسخة: جاتيندر بادا
الترجمة:
فاطمة صالح
الصورة:
مجموعة من الصيادين بميناء المكلا بحضرموت. 10 يوليو 2019. تصوير: أحمد الهجري

النشرة البريدية للمركز اليمني للسياسات
تابعنا على شبكات التواصل الإجتماعي
×