شيماء عثمان، سناء محمد

تقديم المساعدات بشكلٍ فعَّال في اليمن: مسارات نحو شَراكاتٍ عادلة


فبراير 2025

يتعرَّض الفضاء المدني في اليمن، مثل نظرائه في العالم، لتهديدٍ متزايدٍ على الرغم من مرونته وقدرته على التكيُّف1. فقد خلق الصراع، الذي طال أمده، إلى جانب تقلُّص البيئة التشغيلية، تحدياتٍ كبيرة لمنظمات المجتمع المدني. وفي حين أن الصراع قد استقطب مساعداتٍ دولية كبيرة، إلا أن منظمات المجتمع المدني المحلية، المتنوعة والدينامية في اليمن، هي التي تلعب دورًا محوريًّا في تلبية الاحتياجات العاجلة للبلاد. ويتجاوز دور هذه المنظمات تقديم المساعدات الإنسانية، ويمتد إلى المشاركة الفعَّالة في بناء السلام، والأنشطة الساعية إلى تحقيق المساواة بين الجنسَين، والحفاظ على الثقافة والتماسُك الاجتماعي؛ مما يساهم في تحقيق الصمود، والاستقرار على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن التعاون بين المنظمات الدولية غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني غالبًا ما تعوقه ديناميات القوة غير المتوازِنة؛ حيث تهيمن المنظمات الدولية غير الحكومية، في كثيرٍ من الأحيان، على عمليات صُنع القرار، وتطغى على الأولويات المحلية. يتناول هذا البحث تعقيدات هذه العلاقات ضمن الفضاء المدني اليمني الذي يزداد تقييدًا؛ حيث تتضاءل باطرادٍ فرص الشَّراكات العادلة والحقيقية.

وقد أدَّى غياب الشراكات الحقيقية بين المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني إلى خلق حالة من انعدام الثقة. وبالتالي، فقد أدَّت هذه العلاقات إلى شَراكاتٍ تعامُلية وليست تحويلية بين المنظمات الدولية غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، مع ترسيخ علاقات القوة غير المتكافئة؛ حيث تهيمن المنظمات الدولية غير الحكومية في كثيرٍ من الأحيان على عمليات صُنع القرار، وتهمِّش أصوات منظمات المجتمع المدني المحلية2. وتعزِّز الشَّراكات التعاملية العلاقات التعاقدية التي تخلق اختلالًا في موازين القُوى بين المنظمات غير الحكومية الدولية (المتعهدين) ومنظمات المجتمع المدني (المتعاقدين)، وتعوق تنمية رأس المال الاجتماعي اللازم لحل المشكلات بشكلٍ تشارُكي، وبالتالي، التدخلات الإغاثية المستدامة والفعَّالة في اليمن3. واستجابة لذلك، يقدِّم هذا التقرير مساراتٍ نحو تعزيز شراكات حقيقية وعادلة على المدى الطويل، والتأثير الفعَّال لتدخلات المساعدات في اليمن.

يستند هذا التقرير إلى تجارِب متنوعة من خلال لقاءاتٍ موسَّعة مع 12 منظمة مجتمع مدني (في عدن وتعز ومأرب ولحج والمهرة والضالع وحضرموت)، سواء كانت منظمات مجتمع مدني رائدة، أو منظمات مجتمع محلي صغيرة. ويدرك التقرير أنه ليست كل منظمات المجتمع المدني تدير علاقاتها مع المانحين والمنظمات غير الحكومية الدولية بالطريقة نفسها. ففي حين أن منظمات المجتمع المدني الأكثر رسوخًا قد يكون لديها القدرة على التفاوض ومواءمة الأجندات الخارجية مع مهامها الخاصة، إلا أن منظمات المجتمع المحلي الأصغر والأقل رسوخًا غالبًا ما تضطر إلى تحويل تركيزها عن مهامها الأصلية لتلبية أولويات الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية الدولية؛ مما يعكس اختلال توازن القُوى المتأصِّل في هذه العلاقات.

تقييد الشَّراكة بسبب ديناميات القوة الهيكلية

غالبًا ما تتشكَّل التفاعلات بين المنظمات الدولية غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في اليمن من خلال التسلسلات الهَرَمية الهيكلية الأوسع نطاقًا التي يمكن أن تهمِّش منظمات المجتمع المدني عن غير قصد، حتى عندما تُقدَّم كشراكاتٍ متساوية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة بحُسن نيَّة، يمكن للمنظمات غير الحكومية الدولية، بمواردها ونفوذها الأكبر، أن تهيمن بشكلٍ غير مقصودٍ على عمليات صُنع القرار. وكثيرًا ما تتمتَّع المنظمات غير الحكومية الدولية بسيطرة كبيرة على تصميم المشروعات وتنفيذها وتقييمها، مما يحد من استقلالية الشركاء المحليِّين4.

أحد العوامل الرئيسية وراء هذا الاختلال هو هيكل القوة الهَرَمي بين المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني. وتنعكس اختلالات هيكل القوة في وضع المنظمات غير الحكومية الدولية باعتبارها مهيمنة، ومنظمات المجتمع المدني باعتبارها تابعة5. وقد أدَّت هذه التسلسلات الهَرَمية وديناميات القوة غير المتكافئة إلى العديد من المشكلات؛ فالمنظمات غير الحكومية الدولية تهيمن على عمليات صُنع القرار، وتقوم العلاقات على المعاملات، وهناك تخصيص غير عادلٍ للموارد، وفرص محدودة لبناء القدرات، كما أن هناك أيضًا عدم توازن في المعرفة، وكلها أمور تعوق تطوير تعاون مستدامٍ ومؤثر6.

ويكمن جوهر هذه التحديات في هيمنة المنظمات غير الحكومية الدولية على عمليات صُنع القرار، الأمر الذي يعزِّز هياكل القوة غير المتكافئة القائمة، ويهمِّش مساهمات منظمات المجتمع المدني المحلية، على الرغم من معرفتها المجتمعية المهمة وحضورها المجتمعي7. تتمتَّع المنظمات غير الحكومية الدولية -بفضل قدرتها على الوصول إلى موارد مالية أكبر، وشبكات عالمية، وقدرات مؤسسية- بنفوذٍ كبيرٍ، وغالبًا ما تعطي الأولوية لأجندات المانحين على حساب احتياجات المجتمع المحلي على المدى الطويل. ويؤدي هذا الخلل في التوازن إلى إدامة علاقات التبعية، ويقلل من الثقة، ويحد من إمكانية إقامة شَراكات حقيقية تعطي الأولوية للوكالة المحلية والمعرفة والاستدامة8.

ويمكن أن تتجلَّى علاقات القوة غير المتكافئة هذه أيضًا من خلال العلاقات التعاقدية. وغالبًا ما تعطي الترتيبات التعاقدية الأولوية لمصالح المنظمات الدولية غير الحكومية والجهات المانحة، مما قد يحد من مرونة منظمات المجتمع المدني وقدرتها على الاستجابة. ويمكن لهذه العلاقات أن تقلل من الثقة وتعوق تطوير شَراكات حقيقية وتحويلية9. وتُملي المنظمات غير الحكومية الدولية الأولويات والنُّهج، بفضل سيطرتها على الموارد المالية والشبكات العالمية، وغالبًا ما تحيل منظمات المجتمع المدني إلى أدوار المقاولين من الباطن. وعادة ما تُكلَّف المنظمات المحلية بتنفيذ مشروعات مصمَّمة سابقًا، مع الحد الأدنى من المدخلات في التخطيط أو صُنع القرار، وتتجاهل هذه الدينامية الرؤى والمعرفة والقدرات المحلية، وكما قال أحد ممثِّلي منظمات المجتمع المدني: «غالبًا ما تُستبعَد منظمات المجتمع المدني من مرحلة اقتراح المشروعات، وعادة ما تكون العلاقة بين المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني علاقة تعاقُدية؛ حيث تتعاقد المنظمات غير الحكومية مع منظمات المجتمع المدني لتنفيذ أنشطة محدَّدة سابقًا في مواقع محدَّدة»10.

وهناك مشكلة أخرى تتمثَّل في عدم المساواة في تخصيص الموارد؛ فعلى الرغم من الدور الحاسم الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني في تنفيذ المشروعات، أشار أحد قادة منظمات المجتمع المدني إلى أن 20 إلى 30% فقط من ميزانيات المشروعات تصل إليها عادة، بينما يُخصَّص الجزء المتبقي في كثيرٍ من الأحيان لتكاليف التشغيل للمنظمات غير الحكومية الدولية11. وتتمتع المنظمات الدولية بميزة كبيرة من حيث الموارد المالية؛ مما يسمح لها بتخصيص مبالغ كبيرة للنفقات التشغيلية، على عكس منظمات المجتمع المدني المحلية التي غالبًا ما تكافح لتأمين التمويل الكافي لعملياتها اليومية12. ويعوق هذا التفاوُت جهود بناء القدرات، ويديم الاعتماد على التمويل الخارجي. إلا أن تأثير هذا التخصيص غير المتكافئ يختلف بين منظمات المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني الأكثر رسوخًا.

بالنسبة إلى منظمات المجتمع المحلي، فإن التمويل المحدود يحد بشدة من قدرتها على الحفاظ على عملياتها أو بناء القدرات الداخلية، أو الاستثمار في التطوير التنظيمي طويل الأجل. وتواجِه العديد من هذه المنظمات تحدياتٍ في الاحتفاظ بالموظفين المَهَرة، وغالبًا ما تضطر إلى التنازل عن جداول أعمالها لتتماشى مع أولويات الجهات المانحة لتأمين التمويل. ونتيجة لذلك، تخاطِر منظمات المجتمع المحلي بفقدان استقلاليتها، وقدرتها على تلبية الاحتياجات الخاصة بالمجتمع المحلي بشكلٍ فعَّال. ودعا الأشخاص الذين تمَّت مقابلتهم إلى تخصيص ميزانياتٍ لتعزيز الشَّراكات المحلية، مؤكدين أن «الميزانيات يجب أن تتضمن بنودًا لتعزيز قدرات منظمات المجتمع المدني المحلية»13.

وعلى العكس من ذلك، قد تتمتَّع منظمات المجتمع المدني الأكثر رسوخًا، على الرغم من تأثُّرها، بقدرة أكبر على الصمود بسبب الإمكانيات والموارد المتوفرة لها. ويمكنها الاستفادة من معارفها وشبكاتها المؤسسية للتخفيف من آثار الميزانيات المحدودة، وإن كان هذا يأتي في كثيرٍ من الأحيان على حساب تقليص المرونة والابتكار. بالنسبة إلى منظمات المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني الرائدة يؤكد التوزيع غير العادل للموارد الحاجة إلى آليات تمويل أكثر شمولًا وإنصافًا تعزِّز الاستدامة التشغيلية للشُّركاء المحليين.

في حين أنه غالبًا ما يُعترَف ببناء القدرات كاستراتيجية رئيسية لتعزيز منظمات المجتمع المدني المحلية، إلا أن فعالية هذه المبادرات يمكن أن تكون مقيَّدة بعوامل مختلفة، يشمل ذلك جودة التدريب، وتوفُّر الموارد، والنيَّات الكامنة وراءها: فهل تهدف هذه المبادرات حقًّا إلى بناء القدرات، أم أنها مصمَّمة في المقام الأول لتلبية متطلبات الجهات المانحة؟ «معظم الدورات التدريبية لمنظمات المجتمع المدني قصيرة الأجل، وتفتقر إلى الشمولية، ولا يتبعها سوى القليل من الدعم بعد التدريب، أو لا يوجد أي دعم على الإطلاق»14. ومن الأهمية بمكان تأكيد ضرورة اتِّباع نَهجٍ شاملٍ لبناء القدرات، يشمل عواملَ مثل الاستدامة المالية، والتطوير التنظيمي15. وهذه العناصر ضرورية لتمكين منظمات المجتمع المدني من تحقيق قدرٍ أكبر من الاستقلالية في عمليات صُنع القرار.

ويؤدي عدم تكافؤ المعرفة إلى تفاقم هذه التحديات؛ فبينما تستفيد المنظمات غير الحكومية الدولية من الخبرة العالمية والأدوات المتقدمة، غالبًا ما تفتقر منظمات المجتمع المدني إلى الموارد اللازمة للمنافسة على قدم المساواة. ويعطي هذا التهميش الأولوية لتوقُّعات الجهات المانحة على حساب الصلة بالسياق، وقد يؤدي ذلك إلى استبعاد المنظمات المحلية من فرص التمويل. يُبرِز هذا الإقصاء تحديًا كبيرًا في العلاقة بين المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني في اليمن، ولا سيما في المناطق المهمَّشة مثل المهرة ولحج؛ فالعديد من المنظمات غير الحكومية الدولية والجهات المانحة توجِّه تمويلها إلى منظماتٍ أكبر، وغالبًا ما تكون منظمات خارجية، متجاهِلة قدرات وإمكانات الشركاء المحليين. ولا تؤدي هذه الممارسة إلى تهميش منظمات المجتمع المدني المحلية وفاعليتها ومعرفتها فحسب، بل تقوِّض أيضًا قدرتها على استدامة عملياتها، والمساهمة بشكلٍ هادفٍ في تنمية المجتمع المحلي استنادًا إلى الرُّؤى المحلية.

وكما قال أحد ممثِّلي منظمات المجتمع المحلي من المهرة: «لقد أُغلقت نحو 200 منظمة من منظمات المجتمع المدني في المهرة لأن التمويل يُخصَّص لمنظماتٍ خارجية، متجاوزًا الشركاء المحليين». ويؤكد هذا الشعور تهميش المنظمات الشعبية المتغلغلة في المجتمعات المحلية التي تخدمها. ومن خلال إهمال الكيانات المحلية، تخاطر المنظمات غير الحكومية الدولية بفقدان الرُّؤى المحلية المهمة، وثقة المجتمعات المحلية ذاتها التي تهدف إلى دعمها. وعلاوة على ذلك، فإن نموذج التمويل هذا يديم دورة الاعتماد على الجهات الفاعلة الخارجية، مما يعوق نمو واستدامة المنظمات المحلية التي تُعتبَر ضرورية لتعزيز الصمود والتنمية على المدى الطويل في اليمن.

وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الهياكل الهَرَمية داخل الشَّراكات بين المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني إلى تفاقم اختلال موازين القُوى، والحد من الشفافية بين منظمات المجتمع المدني. وفي إطار الشَّراكات والتحالفات المحلية، غالبًا ما يكون لمنظمات المجتمع المدني الرائدة علاقاتٌ مباشرة مع الجهات المانحة؛ حيث تُجرى المناقشات حول هياكل الأنشطة بشكلٍ ثنائي، مع استبعاد منظمات المجتمع المدني الأخرى. وهذا النقص في الشفافية، وتبادل المعلومات يمكن أن يعوق التعاون الفعَّال بين منظمات المجتمع المدني. وكما أشار أحد ممثِّلي منظمات المجتمع المدني الرائدة: « هناك نقص في الشفافية، ولا يتم الإفصاح عن بعض المعلومات المتعلِّقة بالمشروعات إلا بين الشركاء الرئيسيين والجهات المانحة»16.

ويمكن أن تؤدي أدوار الوساطة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني الرائدة والمنظمات غير الحكومية الدولية إلى تفاقم هذه المشكلة. فقد تعمل هذه المنظمات كبوابة تتحكَّم في تدفُّق المعلومات والموارد. وهذا يمكن أن يؤدي إلى وضعٍ تتلقَّى فيه المنظمات المحلية العاملة في الخطوط الأمامية، التي غالبًا ما تكون في وضعٍ أفضل لفهم احتياجات المجتمعات المتضررة ومعالجتها، حصةً صغيرة من التمويل بشكلٍ غير متناسب، وهذا الافتقار إلى الشفافية والتوزيع العادل للموارد يقوِّض مبادئ الشَّراكة والمساءلة، مما يعوق في نهاية المَطاف الفعالية الإجمالية للتدخُّلات الإنسانية.

عدم فعالية تقييم الاحتياجات وتصميم البرامج

تتجلَّى العلاقة الهَرَمية للقوة بين المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني بشكلٍ خاص في تقييم الاحتياجات وتصميم البرامج؛ حيث تُهمَّش أو تُمحى أصوات منظمات المجتمع المدني -خاصة الأصغر منها- في كثيرٍ من الأحيان. وتؤدي هذه الدينامية إلى إدامة التحدي المستمر في الشَّراكات التعاونية؛ حيث تستخدم المنظمات غير الحكومية الدولية في كثيرٍ من الأحيان نَهجًا تنازليًّا يهمِّش وجهات النظر المحلية، وتفشل في تلبية الاحتياجات الخاصة بالمجتمع المحلي بشكلٍ مناسب، مما يقوِّض التوطين، ويعزِّز نماذج المساعدات المتمحورة حول الغرب. وهذا يعيد النقاش إلى معنى المساعدات الإنمائية، وإرثها التاريخي/الاستعماري الذي شكَّله اختلال موازين القُوى؛ حيث تحدِّد دول الشمال العالمي غالبًا شروط التنمية، وتفرض رؤيتها على دول الجنوب العالمي17.

وغالبًا ما تُصمَّم أُطُر المشروعات وتقييمات الاحتياجات من دون مُدخلات جوهرية من أصحاب الشأن المحليين، مثل منظمات المجتمع المحلي، مما يؤدي إلى تدخُّلات تفتقر إلى الشفافية والجدوى. وأشار أحد ممثِّلي منظمات المجتمع المدني إلى أن «منظمات المجتمع المدني تشعر بأنها مستبعَدة من تصميم المشروعات وتقييم الاحتياجات، مما يؤدي إلى انعدام الشفافية والجدوى»18. وتتشارك جميع منظمات المجتمع المدني الشاغل نفسه. ويمكن أن يؤدي تبنِّي النَّهج التصاعدي الذي يعطي الأولوية للحركات الشعبية والمعارف المحلية إلى تمكين المجتمعات المحلية من إيجاد حلولٍ مبتكَرة ومستدامة للتحديات التي تواجهها19.

كما أن الاستبعاد من عمليات التخطيط التشاركي يزيد من إقصاء منظمات المجتمع المدني، فغالبًا ما يقتصر دور هذه المنظمات على مرحلة التنفيذ، وتفتقر هذه المنظمات إلى مِلكية المشروعات التي تهدف إلى إفادة مجتمعاتها المحلية. وكما أوضح أحد مديري منظمات المجتمع المدني، فإن «المشروعات مؤقتة، وذات آثارٍ مستدَامة غير واضحة بسبب غياب المشاركة المحلية». وغالبًا ما تتبِع المنظمات غير الحكومية الدولية نهجًا قائمًا على المشروعات، مع التركيز على تحقيق أهداف محدَّدة ضمن إطار زمني محدود. وفي حين أن هذه الاستراتيجية قد تكون فعَّالة في سياقاتٍ معينة، مثل حالات الطوارئ الإنسانية، إلا أنها قد تعوق التنمية طويلة الأجل، وتمكين المجتمعات الضعيفة20. ووصف مشارك آخر العلاقة بأنها علاقة تعاقدية؛ حيث «تُستبعَد منظمات المجتمع المدني من مرحلة تقديم المقترحات، ويتم التعاقد معها لتنفيذ أنشطة محدَّدة سابقًا». وقد اتَّفقت جميع منظمات المجتمع المدني التي تمت مقابلتها على أن الاستمرار في استبعاد منظمات المجتمع المدني من التخطيط التشاركي من شأنه أن يعرِّض الثقة التي اكتسبوها مع المجتمع اليمني للخطر، وكثيرًا ما يواجهون استفساراتٍ بشأن إعطاء الأولوية لتدخلات معينة على حساب الاحتياجات الأكثر إلحاحًا.

تؤدي الأولويات غير المتوائمة إلى إهدار الموارد وتآكل الثقة؛ فعلى سبيل المثال، تفشل مشروعات تعزيز النظافة الصحية في المناطق المنكوبة بالمجاعة في تلبية احتياجات الأمن الغذائي العاجلة. وتساءل أحد ممثِّلي منظمات المجتمع المحلي: «كيف يمكن للناس ممارسة النظافة عندما يفتقرون إلى الضروريات الأساسية، مثل الغذاء؟» مثل هذا الانفصال عن الواقع المحلي من شأنه أن يقوِّض فعالية الجهود الإغاثية21.

بالإضافة إلى ذلك، وكما اتَّفقت جميع منظمات المجتمع المدني التي تمت مقابلتها، غالبًا ما تفشل التقييمات في الإحاطة الدقيقة بالاحتياجات المعقَّدة والمتطورة للسكان؛ مما يؤدي إلى تدخلاتٍ غير متوائمة، وإهدار الموارد22. وقد يكون ذلك نتيجة لإرهاق المانحين، فبعد سنواتٍ من النزاع والنداءات الإنسانية، يبدأ إرهاق الجهات المانحة23. وقد يصبح المانحون أقل استعدادًا لتخصيص الأموال لليمن، خاصة عند المفاضلة بين أزماتٍ عالمية أخرى24؛ فالعديد من مشروعات المانحين في اليمن لها جداول زمنية قصيرة، وتركز على الإغاثة الفورية بدلًا من التنمية طويلة الأجل، وتملي تصاميم المشروعات والجداول الزمنية من دون التشاور الكافي مع المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني، وتعتمد على التقييمات الموجودة سابقًا للمنظمات غير الحكومية الدولية، ولا ترغب في تمويل تقييمات شاملة للاحتياجات25.

علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي عدم التوافق بين الأولويات إلى خلق عبء كبير على منظمات المجتمع المدني. ويمكن أن يكون تحقيق التوازن بين توقُّعات المجتمع المحلي ومتطلبات المنظمات غير الحكومية الدولية أمرًا صعبًا، مما يُجبِر منظمات المجتمع المدني أحيانًا على استخدام مواردها الخاصة لضمان نجاح المشروع. وكما أشار أحد ممثِّلي منظمات المجتمع المحلي: « في أحد التدخلات المحددة، اضطررنا إلى تحويل الأموال من ميزانيتنا المفتوحة إلى أنشطة محدَّدة سابقًا بتكليفٍ من المنظمة غير الحكومية الدولية التي تعاقدنا معها، من أجل إزالة حساسية المجتمع المحلي، والفوز بقبوله لهذه الأنشطة».

عدم كفاية بناء القدرات والمساءلة

غالبًا ما تفشل جهود بناء القدرات ضمن الشَّراكات بين المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني في اليمن في معالجة النمو والاستدامة على المدى الطويل. وعادة ما تقدِّم المنظمات غير الحكومية الدولية برامج تدريبية قصيرة الأجل توفِّر المعرفة على المستوى السطحي من دون معالَجة التحديات الهيكلية.

وغالبًا ما تكافِح منظمات المجتمع المدني لتعزيز قدراتها خارج نطاق شَراكاتها مع المنظمات غير الحكومية الدولية؛ حيث إن هذه المبادرات مصمَّمة عادة لتلبية متطلبات الامتثال والمساءلة، بدلًا من تعزيز التطوير التنظيمي طويل الأجل26. وكثيرًا ما تواجِه منظمات المجتمع المدني متوسطة الحجم ومنظمات المجتمع المحلي تحدياتٍ في تصميم المشروعات التي تتماشى مع معايير المنظمات غير الحكومية الدولية؛ حيث تفتقر إلى المهارات المتقدمة المطلوبة في مجالات مثل كتابة المنح والتقارير، ووضع الاستراتيجيات، وإدارة الميزانية، واكتساب المعرفة27، وبالتالي، غالبًا ما تملي أجندات المنظمات غير الحكومية الدولية وبرامجها عمل هذه المنظمات المحلية، مع الحد الأدنى من المشاركة في تقييم الاحتياجات وتصميمها. وعلاوة على ذلك، تؤدي القيود المالية إلى تفاقُم هذه المشكلة؛ حيث تكافح منظمات المجتمع المدني لتأمين الموارد اللازمة للموظفين المَهَرة والتكنولوجيا والبِنية التحتية. وتتأثر المنظمات المتوسطة والصغيرة الحجم بشكلٍ غير متناسب؛ حيث تستهلك التكاليف المتعلقة بالامتثال ما يصل إلى 60 في المائة من ميزانيات المشروعات، مما يترك القليل من أجل التنمية28. وتُجبِر ثغرات التمويل التشغيلي منظمات المجتمع المدني على إعادة توجيه مواردها المحدودة، مما يعوق نموَّها بشكلٍ أكبر.

وبالمثل، فإن آليات المساءَلة أيضًا معيبة؛ فغالبًا ما تعطي المنظمات غير الحكومية الدولية الأولوية لتقارير الجهات المانحة، على حساب المساءَلة المتبادَلة مع الشُّركاء المحليين، مما يعزِّز دينامية أحادية الجانب. ويؤدي ذلك إلى إدامة انعدام الثقة، وتقويض الشراكة العادلة، وبالتالي تعزيز علاقات القوة غير المتكافئة القائمة. وكثيرًا ما لا تتم مشاركة ميزانيات المشروعات بشفافية مع منظمات المجتمع المدني الشريكة، ونادرًا ما تكون المفاوضات المتعلقة بالميزانية تشاركية. ويحد هذا الافتقار إلى الشفافية من قدرة منظمات المجتمع المدني على فَهم كيفية تخصيص الأموال والدعوة إلى زيادة الموارد لبرامجها. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تكون آليات التغذية الراجعة، وتمارين التأمُّل الذاتي غائبة، مما يعوق فرص التعلُّم والتحسين. ولا تُناقَش عادة ملاحظات المانحين وتقاريرهم مع منظمات المجتمع المدني الشريكة في أثناء إغلاق المشروع، مما يحد من قدرتها على فهم التأثير الإجمالي للتدخُّل، وتحديد الدروس المستفادة29.

وكما أشار أحد ممثِّلي منظمات المجتمع المدني: «المتوقع هو أن المساءَلة تتدفق فقط من منظمات المجتمع المدني إلى المنظمات غير الحكومية الدولية، بدلًا من أن تكون عملية متبادَلة». ويعزِّز نموذج المساءلة أحادي الاتجاه هذا من اختلال توازن القُوى، ويمكن أن يؤدي إلى الاستياء، وانعدام الثقة بين المنظمات الشريكة. وبسبب الصراع الدائر في اليمن، غالبًا ما يعمل المانحون عن بُعد، مما يزيد من تفاقُم فجوة التواصُل بين المانحين ومنظمات المجتمع المدني. وكثيرًا ما تعمل المنظمات غير الحكومية الدولية كوسطاء، مما يحد من التفاعل المباشر بين المانحين ومنظمات المجتمع المدني. ويثير هذا النقص في الحوار المباشر تساؤلاتٍ حول كيفية تلقِّي الجهات المانحة لنتائج المشروعات، وكيفية التواصُل بشأن التحديات، وكيف يمكن لمنظمات المجتمع المدني التواصُل مع الجهات المانحة لإجراء المزيد من النقاشات حول المشروعات30.

عرقلة جهود التوطين وتقليص أهمية التدخلات

شهدت السنوات الأخيرة زيادة في الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لتوطين المشروعات الإنسانية والتنموية في اليمن، كما يتضح من تزايُد عدد الشُّركاء اليمنيين ونسبة المشروعات التي تقودها المنظمات غير الحكومية اليمنية. ومع ذلك، تشير البيانات الصادرة عن خدمة التتبُّع المالي التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن حصة التمويل الإنساني التي تلقَّاها الشركاء اليمنيون بين عامَي 2018 و2023 ظلَّت منخفضة نسبيًّا؛ حيث بلغت نحو 4 في المائة. وبالإضافة إلى ذلك، انخفض عدد الشُّركاء اليمنيين بنسبة 18 في المائة تقريبًا خلال هذه الفترة. وعلى الرغم من حدوث زيادة طفيفة في نسبة التمويل المخصَّص للشُّركاء اليمنيين، المحليين والوطنيين على حدٍّ سواء، من 1 في المائة في عام 2018 إلى 4 في المائة في عام 2023، فإن الحصة الإجمالية لا تزال منخفضة بشكلٍ كبيرٍ31.

إن التحديات النظامية في العلاقات بين المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني تقوِّض النتائج الإنسانية، ولا سيما من خلال عرقلة القدرات المحلية والاستدامة. وعلى الرغم من الالتزامات بالتوطين المحلي، لا تزال الجهات الفاعلة الدولية تهيمن على الاستجابة في اليمن؛ مما يؤدي إلى تهميش منظمات المجتمع المدني عن القيام بأدوارٍ ذات مغزًى. ويحُول هذا التهميش دون دمج الرُّؤى المحلية، مما يؤدي إلى تدخُّلات منفصلة عن الواقع المجتمعي. وقد حدَّد تقرير خط الأساس لعام 2022، حول توطين العمل الإنساني في اليمن سبع ركائز رئيسية، تتضمن التمويل، باعتبارها ضرورية لقياس التقدم المُحرَز32. وفي حين كان هناك بعض الأدلة على إحراز تقدُّم معتدل في المشاركة، إلا أن المؤشرات الأخرى، مثل تعزيز القدرات، والتمويل المباشر للمنظمات غير الحكومية المحلية، لا تزال تمثِّل تحديًا33؛ لذلك، فإن التقدُّم الإجمالي في مجال التوطين في إطار الجهود الإنسانية الحالية في اليمن متفاوت.

تعوق الأُطُر الصارمة للمانحين بشكلٍ متزايدٍ القدرةَ على التكيُّف والابتكار، وهو أمر أساسي للشَّراكة العادلة. وكما أشار أحد قادة منظمات المجتمع المحلي، « نحن نعرف ما يصلح في مجتمعاتنا، لكن المبادئ التوجيهية للمانحين لا تترك مجالًا للتكيُّف». وعادة ما تفشل التدخلات المصمَّمة بشكلٍ سيئ في تحقيق فوائد طويلة الأجل، كما أوضح أحد المشاركين: «تفتقر المشروعات إلى الأثر المستدام بسبب غياب الأصوات المحلية». وفي حين أن منظمات المجتمع المدني الرائدة والأكبر حجمًا قد يكون لديها مجالٌ أكبر للتفاوض بشأن قدرة التدخلات على التكيُّف لتلبية احتياجات المجتمع، إلا أنها غالبًا ما تواجِه تحدياتٍ مماثِلة من حيث ديناميات القوة والاستدامة المالية.

ومع ذلك، فإن منظمات المجتمع المحلي الأصغر حجمًا، ولا سيما تلك التي لديها موارد وقدرات محدودة، أكثر عُرضة لضغوط الشُّركاء من المنظمات غير الحكومية الدولية. فالخوف من فقدان الشَّراكات المُتعاقد عليها يمكن أن يحد من قدرتها على الدخول في حوارٍ مفتوحٍ مع المنظمات غير الحكومية الدولية حول التغييرات الضرورية للتدخلات. وسلَّط ممثِّل من منظمة مجتمعية محلية في الضالع الضوءَ على انعدام العدالة في عمليات تقديم طلبات المنح: «كانت المتطلبات غير متناسبة مع قدراتهم، وغالبًا ما تتناسب مع قدرات المنظمات الوطنية الرائدة. وعلى الرغم من معرفتهم المحلية، وثقة المجتمع المحلي بهم، فقد استُبعدوا بسبب عدم قدرتهم على تلبية المعايير البيروقراطية». ويؤدي هذا إلى الإحباط في أوساط منظمات المجتمع المدني؛ حيث إن نقص الفرص يعوق التوطين على المستوى الشعبي. وتدور المنافسة في نهاية المَطاف حول من هو المؤهل لتلبية متطلبات تنفيذ المشروعات المصمَّمة سابقًا. ولا يترك هذا لمنظمات المجتمع المدني بشكلٍ عام، ومنظمات المجتمع المحلي على وجه التحديد، أي خيار سوى تنفيذ المشروعات كما هو مقرر، أو في حالة منظمات المجتمع المدني الأكبر التي تتمتع باستقرارٍ مالي أكبر، رفض المشاركة في الشَّراكة تمامًا34، ولا يتماشى أيٌّ من السيناريوهَين مع جهود التوطين.

علاوة على ذلك، يؤدي غياب المساءَلة والشفافية في تقديم المساعدات، إلى جانب الاعتماد المفرط على المنظمات غير الحكومية الدولية، إلى خلق الاتكالية، وتقويض القدرات والمعارف المحلية، مما يؤدي إلى آثارٍ قصيرة الأجل. على سبيل المثال، كانت خطط الاستجابة الإنسانية في اليمن لعامَي 2017 و2018 بمنزلة بداية لتبنِّي اليمن للتحوُّل العالمي نحو المساءَلة تجاه المتضررين35، ومع ذلك، وعلى الرغم من حدوث بعض التحسينات، فلا تزال هناك فجوة كبيرة بين مبادئ المساءَلة أمام المتضررين وتنفيذها العملي. وقد أدَّى الافتقار إلى الاتساق بين مختلف الجهات الفاعلة في اليمن فيما يتعلق بممارسات المساءلة تجاه المتضررين، والفهم المشترك لمعناها إلى إعاقة التقدُّم في هذا المجال36. وكثيرًا ما تفتقر منظمات المجتمع المدني إلى الشفافية في عملية توزيع التمويل وتصميم التدخلات، مما يحد من قدرتها على المساهمة بفعالية في سرديات الاستجابة الإنسانية.

إعطاء الأولوية للتوطين، وتمكين منظمات المجتمع المدني يمكن أن يخلق مساراتٍ للشَّراكة الحقيقية

لمواجهة هذه التحديات، وتعزيز الشَّراكات الحقيقية، لا بد من إعطاء الأولوية للتوطين، وتمكين منظمات المجتمع المدني المحلية. ومن خلال تبنِّي أجندة التوطين، يمكن للجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية الدولية التحوُّل نحو نَهجٍ أكثر إنصافًا واستدامة للمساعدات الإنسانية. وينطوي ذلك على تقاسُم سُلطة صنع القرار، وتوفير التمويل المرِن، وخلق بيئاتٍ مواتية لمنظمات المجتمع المدني للعمل بشكلٍ مستقل. ومن خلال تعزيز الشَّراكات الحقيقية، يمكن للمنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني العمل بشكلٍ تعاوني لتحديد الاحتياجات المحلية، وتطوير الحلول المناسبة، وضمان التأثير طويل الأجل.

وتهدف التوصيات التالية إلى تعزيز الشَّراكات الحقيقية، والحد من اختلال موازين القُوى، وتعزيز فعالية التدخلات الإنسانية في اليمن.

توصيَّات لمنظمات المجتمع المدني

لتعزيز مكانتها وتأثيرها، ينبغي لمنظمات المجتمع المدني التركيز على بناء قدراتها في مختلف المجالات الرئيسية، ويشمل ذلك الإدارة المالية، وإدارة دورة المشروعات، والرصد والتقييم المتقدمين، وتحليل البيانات. هذه الكفاءات الأساسية ضرورية لتعزيز قدرات إدارة المشروعات، وتحسين مصداقية المنظمات، وجذب المزيد من فرص التمويل. ولا يمكِّن تعزيز المهارات الفنية منظمات المجتمع المدني من تقديم تدخلات أكثر فعالية فحسب، بل يقلل أيضًا من اعتمادها على المنظمات غير الحكومية الدولية، مما يمكِّنها من التفاوض على شَراكات أكثر عدالة واستدامة.

ومن الخطوات الحاسمة بالنسبة إلى منظمات المجتمع المدني تحسين سياساتها وممارساتها المالية. فمن خلال تعزيز الشفافية والمساءَلة والكفاءة في الإدارة المالية، يمكن لمنظمات المجتمع المدني بناء الثقة مع الجهات المانِحة والشُّركاء الدوليين. ويشمل ذلك اعتماد أنظمة محاسبية قوية، والخضوع لعمليات تدقيقٍ منتظمة، وضمان الامتثال لمتطلبات الجهات المانحة. كما أن السياسات المالية القوية تضع منظمات المجتمع المدني في موضع الشريك محل الثقة والمهني، مما يفتح الباب أمام المزيد من الدعم والتعاون.

كما يمكن للشَّراكات الاستراتيجية مع المنظمات غير الحكومية الدولية التي تشترك في القيم والأهداف نفسها أن توفِّر إمكانية الوصول إلى الموارد والخبرات والشبكات التي تشتد الحاجة إليها. وتمكِّن هذه التحالفات منظمات المجتمع المدني من توسيع نطاق وصولها، وزيادة تأثيرها. ومع ذلك، من الضروري أن تقوم هذه الشَّراكات على الاحترام المتبادَل، والمشاركة في صُنع القرار، والالتزام بتجنُّب اختلال موازين القُوى، ويجب على منظمات المجتمع المدني أن تؤكد بنشاطٍ فاعليتها في إطار هذه الشَّراكات لضمان أن تظل أولوياتها ومهامها محورية في الشَّراكة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تشارك منظمات المجتمع المدني بنشاطٍ أكبر في حوارات السياسات، وجهود المناصرة. ومن خلال المشاركة في هذه النقاشات، يمكن لمنظمات المجتمع المدني صياغة أجندات العمل الإنساني والتنموي، والدعوة إلى تلبية الاحتياجات المحددة للمجتمعات المتضررة. ولا يقتصر دور هذه المناصرة على إسماع أصوات المجتمعات التي تخدمها هذه المنظمات فحسب، بل يعزز أيضًا من ظهور منظمات المجتمع المدني، وتأثيرها على المستويَين الوطني والدولي. ويمكن أن تؤدي زيادة التقدير لهذه المنظمات إلى زيادة الدعم والموارد والفرص المتاحة لها للمساهمة بشكلٍ هادفٍ في جهود التنمية الأوسع نطاقًا، مع تأكيد دورها كشريكٍ على قدم المساواة في تشكيل مستقبل مجتمعاتها.

توصيَّات للمنظمات غير الحكومية الدولية

يجب على المنظمات غير الحكومية الدولية أن تفكر في علاقات القوة غير المتكافئة لتتمكَّن من إعطاء الأولوية لإقامة شَراكات قائمة على المبادئ، ترتكز على الاحترام المتبادَل، والثقة والقيم المشتركة. وينبغي أن تكون الشَّراكات التحويلية -التي تركِّز على التعاون والتمكين بدلًا من مجرد العلاقات التعاملية- في صميم نهجها. ويتطلَّب ذلك من المنظمات غير الحكومية الدولية إشراك منظمات المجتمع المدني المحلية بشكلٍ فعَّال في جميع مراحل دورة حياة المشروع، بدءًا من تقييم الاحتياجات، وتصميم البرامج، إلى التنفيذ والتقييم. ويمكن لعملية صنع القرار المشتركة والاستثمارات الهادفة في بناء القدرات أن تعالِج الاختلالات القائمة في موازين القُوى، مما يخلق أساسًا لشراكاتٍ حقيقية وعادلة.

إن تمكين منظمات المجتمع المدني المحلية من خلال المشاركة في صنع القرار لا ينطوي فقط على استشارتها، بل ضمان أن يكون لأصواتها وزنٌ متساوٍ في تحديد الأولويات والاستراتيجيات، وتخصيص الموارد. وينبغي أن تتجاوز جهود بناء القدرات الدورات التدريبية قصيرة الأجل لتشمل الإرشاد المستمر والدعم الفني ومبادرات التطوير التنظيمي التي تعزِّز الاستدامة المالية والتشغيلية لمنظمات المجتمع المدني المحلية. ويمكن أن يساعد ذلك في تزويد منظمات المجتمع المدني بالأدوات والثقة اللازمة لتأكيد وكالتها والحفاظ على اتساقها مع مهامها في أثناء التعامل مع المنظمات غير الحكومية الدولية والجهات المانحة.

ولتعزيز الثقة والمساءلة، ينبغي للمنظمات غير الحكومية الدولية تنفيذ أُطر تعاونية للرصد والتقييم، ويجب تصميم هذه الأُطُر لتشمل مُدخلاتٍ من منظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية؛ مما يسمح بتكرار التغذية الراجعة، وضمان أن تكون التدخُّلات ذات صلة بالسياق، وذات تأثير. كما يجب على المنظمات غير الحكومية الدولية دعم المِلكية والقيادة المحلية، من خلال تمكين منظمات المجتمع المدني من الاضطلاع بدورٍ قيادي في إدارة المشروعات. ولا يضمن هذا التمكين استدامة التدخلات فحسب، بل يعزِّز أيضًا قدرة المجتمعات المحلية على الصمود على المدى الطويل، مما يقلِّل من الاعتماد على الجهات الفاعلة الخارجية.

كما أن النُّهُج التي يحركها المجتمع المحلي والبرمجة المرِنة ضروريان للاستجابة بفعالية للاحتياجات الدينامية والمتطورة للسكان المتضررين. ويتعيَّن على المنظمات غير الحكومية الدولية أن تتبنَّى نَهجًا مرِنًا لكي تتمكَّن من إعطاء الأولوية للاستماع إلى وجهات النظر الجديدة للمجتمعات المحلية، ودمجها في تصميم البرامج. تتيح آليات التمويل المرِنة والبرمجة المرِنة القدرة على التكيُّف في مواجهة التحديات أو الفرص الناشئة، مما يجعل تقديم المساعدات أكثر كفاءة وتأثيرًا.

ومن خلال اعتماد هذه الاستراتيجيات، يمكن للمنظمات غير الحكومية الدولية أن تتحرك نحو شَراكات ليست أكثر عدالة فحسب، بل وأكثر فعالية أيضًا. ويتطلَّب هذا التحوُّل التزامًا بتقاسُم السلطة، وتعزيز القدرات المحلية، وتبنِّي مبادئ التوطين والاستدامة، وبالتالي تمكين المجتمعات المحلية المتضررة من تولي مسؤولية تنميتها، وبناء القدرة على الصمود على المدى الطويل.

توصيَّات للمانحين

من الأهمية بمكانٍ تأكيد ضرورة اتِّباع نَهج شاملٍ لبناء القدرات، نَهج يتجاوز مجرد تقديم دورات تدريبية قصيرة الأجل، أو تلبية متطلِّبات الجهات المانحة. ويجب أن يدمج هذا النهج الاستدامة المالية، بما يضمن امتلاك منظمات المجتمع المدني المحلية للمهارات والموارد اللازمة لتأمين مصادر تمويل متنوعة، وتقليل اعتمادها على المنظمات غير الحكومية الدولية والمانحين الخارجيين. يمكن تعزيز الاستدامة المالية من خلال دعم الجهات المانحة للأنشطة المدرَّة للدخل، والتخطيط المالي الاستراتيجي، والوصول إلى آليات تمويل مرِنة، مثل التمويل متعدد السنوات، والتمويل الأساسي غير المقيَّد. يمكن أن تساعد هذه الآليات في تعزيز مرونة منظمات المجتمع المدني في مواجهة دورات التمويل قصيرة الأجل، مما يسمح لمنظمات المجتمع المدني بالتركيز على الأهداف الإنمائية طويلة الأجل، مع الحفاظ على تماشيها مع مهامها الأساسية.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يشكِّل التطوير التنظيمي حجر الزاوية في جهود بناء القدرات، ويتطلب ذلك تعزيز الحوكمة الداخلية، وتحسين العمليات التشغيلية، وبناء أنظمة قوية للرصد والتقييم. وبالنسبة إلى منظمات المجتمع المدني الأصغر حجمًا، قد يعني ذلك إعطاء الأولوية للتدريب التأسيسي على الإدارة المالية والتخطيط الاستراتيجي والامتثال للوائح الجهات المانحة. أما بالنسبة إلى منظمات المجتمع المدني الأكثر رسوخًا، فيمكن أن يركز التدريب على تطوير القيادة ومهارات المناصرة، وتعزيز الشبكات الإقليمية والدولية. ولدعم هذه التحولات، يمكن للجهات المانحة أن تلعب دورًا محوريًّا من خلال اعتماد آليات تمويلٍ مرِنة؛ فالتمويل متعدد السنوات والتمويل الأساسي غير المقيَّد يمكِّن منظمات المجتمع المدني من التخطيط الاستراتيجي، والاستثمار في بناء القدرات على المدى الطويل والاستجابة للسياقات الدينامية.

ويُعَد تمكين القيادة المحلية استراتيجية رئيسية أخرى، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إشراك منظمات المجتمع المدني بشكلٍ أكبر في عمليات صنع القرار، ولا سيما في وضع جداول أعمال التمويل. وإلى جانب ذلك، فإن تعزيز الثقة والشفافية بين المنظمات غير الحكومية الدولية والجهات المانحة ومنظمات المجتمع المدني أمر بالغ الأهمية، ويمكن أن يؤدي التواصُل المفتوح والمساءَلة المتبادلة، وفرص التعلُّم والتكيُّف المشترك إلى إقامة شَراكات أقوى وأكثر عدالة.

وأخيرًا، يتطلَّب إعطاء الأولوية للتوطين والاستدامة من الجهات المانحة تمويل الشَّراكات الاستراتيجية التي تعزِّز استقلالية منظمات المجتمع المدني. ويمكن لحوارات السياسات التي تدعو إلى التوطين وتوزيع السلطة بشكلٍ عادل داخل قطاع المساعدات أن تعزِّز هذه الجهود. كما يجب تنفيذ مبادرات شاملة لبناء القدرات، تركِّز على الأبعاد المالية والتنظيمية على حدٍّ سواء، وتتضمن الإرشاد والدعم الفني طويل الأجل، والدورات التدريبية المصمَّمة خصِّيصَى لتلبية الاحتياجات الخاصة بمنظمات المجتمع المدني. ومن خلال تبني هذه الممارسات، يمكن للجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية الدولية تعزيز الشَّراكات الحقيقية، والحد من اختلال موازين القُوى، وتمكين التنمية المستدامة التي يقودها المجتمع المحلي.

شيماء بن عثمان زميلة مشارِكة في المركز اليمني للسياسات، وشريك مؤسِّس لمؤسسة مدارات الثقافية، تتمتَّع بخبرة تزيد على خمس سنواتٍ في قطاعَي الشباب والثقافة في اليمن، وهي تعمل على تسخير الفنون من أجل التغيير الاجتماعي، وتدعو إلى بناء السلام والمشاركة السياسية للمرأة. وهي أيضًا كاتبة مستقلة، كما حصلت على منحة برنامج قادة الغد من مبادرة الشَّراكة الشرق أوسطية، وحصلت على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من الجامعة الأمريكية في بيروت، ويرتكز عملها على تعزيز المشاركة المجتمعية، والنهوض بمبادرات التنمية الشاملة.

سناء خبيرة في مجال الرصد والتقييم، ولديها خبرة واسعة في قيادة وإدارة المبادرات في مختلف القطاعات الإنسانية في اليمن. يُظهِر عملها التزامًا قويًّا بضمان جودة البرامج وفعاليتها والمساءلة، كما أن لديها خلفية أكاديمية في دراسات النوع الاجتماعي، وإدارة المنظمات غير الربحية، وهو ما يدعم خبرتها وتفانيها في العمل الإنساني المؤثر.

المانح:
وزارة خارجية ألمانيا الاتحادية
التحرير:
كاميليا الأرياني وجاتندر بادا
الترجمة:
إيناس التركي
الصورة:
عمل فني بواسطة أحمد الهجري

  1. إلين بانشوليدزي، «موجة جديدة من القمع في الفضاء المدني»، مركز الديمقراطية الأوروبي، تم الاطلاع عليه في 23 يناير، 2025. https://europeandemocracyhub.epd.eu/a-new-wave-of-repression-on-civic-space
  2. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثِّلي منظمات المجتمع المدني من عدن، سبتمبر 2024.
  3. المصدر السابق.
  4. كولبورن، م.، «مسار جديد للمُضي قُدُمًا: تمكين الدور القيادي للمجتمع المدني اليمني»، 2 مارس، 2021، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/13094 
  5. جرين، دنكان، «إصلاح اختلال ميزان القوى في المعونة والتنمية: إشكالية من الفقر إلى القوة»، 6 يونيو، 2023. https://frompoverty.oxfam.org.uk/mediating-the-power-imbalances-of-development-a-paradox-for-partnership-brokers
  6. فاولر، أ.، «شَراكات المنظمات غير الحكومية للتنمية الأصيلة في أجندة السياسات الجديدة للمساعدات الدولية: طريق مسدود أم ضوء يلوح؟»، 27 أبريل، 2019، ريسيرش جيت https://www.researchgate.net/publication/44823071_Authentic_NGDO_Partnerships_in_the_New_Policy_Agenda_for_International_Aid_Dead_End_or_Light_Ahead
  7. « قياس التوطين الإنساني في اليمن»، 2022. https://www.icvanetwork.org/uploads/2023/02/Localisation-Baseline-Report-in-Yemen-ENG.pdf
  8. جيلكريست، ج.، «صراع المجتمع المدني: التأثير السلبي للمنظمات غير الحكومية الدولية في الحركات الشعبية والاجتماعية»، 26 مايو، 2021، التعبئة المجتمعية عند الأزمات. https://cmic-mobilize.org/civil-society-conflict-the-negative-impact-of-international-ngos-on-grassroots-and-social-movements
  9. المصدر السابق.
  10. مقابلات المركز اليمني للسياسات مع قيادية في إحدى منظمات المجتمع المدني بتعز، سبتمبر 2024.
  11. مقابلات المركز اليمني للسياسات مع ممثِّلي منظمات المجتمع المدني الرائدة في عدن، أكتوبر 2024.
  12. كولبورن، م.، «مسار جديد للمُضي قُدُمًا: تمكين الدور القيادي للمجتمع المدني اليمني»، 2 مارس، 2021، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/13094 
  13. مقابلة أجراها المركز اليمني للسياسات مع قيادية في إحدى منظمات المجتمع المدني بالمهرة، سبتمبر 2024.
  14. مقابلة أجراها المركز اليمني للسياسات مع قيادية في إحدى منظمات المجتمع المدني في الضالع، 2024.
  15. كوب، أ.، وإنجولفسين، أ.، وتولسون، ب.، «تيسير الاستدامة المالية: نهج الجهات الممولة لتيسير الاستدامة المالية لمنظمات المجتمع المدني»، 30 مارس، 2018. مختبر القضايا – منصة إدارة المعرفة في كانديد. https://www.issuelab.org/resources/30587/30587.pdf 
  16. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني الرائدة في حضرموت، أكتوبر 2024.
  17. إيزابيكوفا، جولناز، «نظرية القوة في البيئة السياسية: مكان القوة في مشروعات حوكمة الموارد»، 2023. https://www.researchgate.net/publication/320249414_Theorizing_power_in_political_ecology_The_where_of_power_in_resource_governance_projects 
  18. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في حضرموت، أكتوبر 2024.
  19. جيلكريست، ج.، «صراع المجتمع المدني: التأثير السلبي للمنظمات غير الحكومية الدولية في الحركات الشعبية والاجتماعية»، 26 مايو، 2021، التعبئة المجتمعية عند الأزمات. https://cmic-mobilize.org/civil-society-conflict-the-negative-impact-of-international-ngos-on-grassroots-and-social-movements/
  20. المصدر السابق.
  21. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثِّلي منظمات المجتمع المحلي في لحج، نوفمبر 2024. 
  22. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في مأرب، نوفمبر2024. 
  23. الكحلوت، ج. وعبدو، ب.، «في لحظة حرجة بالنسبة إلى اليمن، قد يؤدي إرهاق المانحين إلى عواقب وخيمة»، 12 سبتمبر، 2021، المركز النرويجي للدراسات الإنسانية. https://www.humanitarianstudies.no/in-a-critical-moment-for-yemen-donor-fatigue-can-have-disastrous-consequences
  24. السقاف، ن.، هاربر، أ.، وثورب، ج.، «التنمية قادمة: توخوا الحذر في تطلعاتكم»، 13 مارس، 2024، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/22235 
  25. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في حضرموت، أكتوبر 2024.
  26. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في عدن، أكتوبر 2024.
  27. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني الرائدة في عدن، نوفمبر 2024.
  28. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في تعز، أكتوبر 2024.
  29. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في حضرموت، نوفمبر 2024.
  30. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في عدن، نوفمبر 2024.
  31. السقاف، ن.، «توطين المساعدات والتنمية في اليمن»، 24 أكتوبر، 2024، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. https://sanaacenter.org/files/Localizing_Aid_and_Development_in_Yemen_en.pdf 
  32. « قياس التوطين الإنساني في اليمن»، 2022. https://www.icvanetwork.org/uploads/2023/02/Localisation-Baseline-Report-in-Yemen-ENG.pdf 
  33. المصدر السابق.
  34. مقابلات أجراها المركز اليمني للسياسات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في مأرب، نوفمبر 2024.
  35. باخلعة، س.، « من حق اليمنيين إبداء الرأي بشأن شكل المساعدات في اليمن»، 21 مارس، 2024، المركز اليمني للسياسات. https://www.yemenpolicy.org/ar/%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D8%B4%D9%83%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85 
  36. المصدر السابق.
النشرة البريدية للمركز اليمني للسياسات
تابعنا على شبكات التواصل الإجتماعي
×