بعد أن استكانت لغموض نسبي لمدة سنوات، عادت الحرب الأهلية في اليمن مرة أخرى إلى دائرة الضوء الدولية. ففي الأسابيع الأولى من ولايته، بدا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يرغب بصدق في إنهاء الصراع في اليمن، مستهلاً موجة من الجهود الدبلوماسية، بما في ذلك تعيين المبعوث الأمريكي الخاص، تيم ليندركينغ، في 4 فبراير 2021. ومن خلال هذه الخطوة، فقد طرح مسألة الشكل الذي قد تبدو عليه النهاية الواقعية والمستدامة للنزاع. إن الاتفاق السياسي المنشود مع الحوثيين سيبدأ عملية مهمة لكنه لن يكون بمفرده حلاً سحريًا للسلام. كما تناقش إيلانا ديلوزير وآدم بارون، فإن تعزيز السلام المستدام في اليمن يتطلب أيضًا إعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات وممارسات الحكم في اليمن لإرساء الأساس المتين اللازم لاتفاق سياسي لكي يستمر.
منذ تعيينه، انخرط ليندركينغ في عملية ركزت بشكل كبير على الجوانب الإقليمية للصراع، ولا سيما أدوار المملكة العربية السعودية وإيران والتفعيل المحتمل لقوى الوساطة والتيسير مثل الكويت وسلطنة عمان. وقد قام بالعديد من الجولات السريعة للقاء شخصيات خليجية ويمنية بارزة وعمل كمضاعف لجهود الأمم المتحدة المستمرة لوقف إطلاق النار. وعلى الرغم من ردود فعل الحوثيين الفاترة في أفضل الأحوال على كل من خطة ليندركينغ لوقف إطلاق النار والخطة السعودية المعلنة، واستمرار حملة الحوثيين في مأرب، ورحيل المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث – وكل ذلك يلقي بظلال من الشك على حل سريع- يأمل المفاوضون أن الإرادة السياسية للولايات المتحدة لإنهاء الحرب وتركيز ليندركينغ على اللاعبين الإقليميين قد يساعدان في النهاية في خلق نافذة ستكون الفرصة الأولى منذ عام 2016 لاتفاق سياسي.
مشكلة الإرادة السياسية
إن التركيز على الشركاء الإقليميين لا يخلو من سبب: فمن الصعب تصور نجاح أي تسوية دون تأييد الجهات الفاعلة الرئيسية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. علاوة على ذلك وعلى عكس ما كان في السابق، فإن الجهات الفاعلة الإقليمية متفقة حاليًا في رغبتها في إيجاد حل دبلوماسي. حيث تشكل الحرب عبئًا متزايدًا على تلك الدول التي يجب أن تستمر في إنفاق رأس المال المالي والسياسي عليها، مع اتهامها طوال الوقت بالتواطؤ في معاناة اليمن. أراد العمانيون حلاً منذ اليوم الأول، وانسحبت الإمارات رسميًا من القتال ضد الحوثيين في عام 2019، ويريد السعوديون بشكل متزايد إنهاء الحرب التي أصبحت كارثة علاقات عامة في الغرب واختبرت الثقة في الدفاعات السعودية في الداخل. فقد اهتزت المملكة بشكل خاص بسبب هجوم صواريخ كروز والطائرات المسيرة في سبتمبر 2019 على منشآت شركة أرامكو، مما أدى إلى توقف نصف إنتاج النفط السعودي مؤقتًا. لكن هجوم بقيق، الذي ألقت السعودية باللوم فيه على إيران، أجبر المملكة أيضًا على إعادة ترتيب أولوياتها، مما أدى فجأة إلى تحويل تركيزها العسكري في اليمن إلى تركيز دبلوماسي.
وبالمثل، فإن الإرادة السياسية للدول الغربية تميل نحو الدبلوماسية. وتواجه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المعارضة المعبأة على نحو متزايد، والتي تأتي إلى حد كبير من اليسار، بسبب دعمهما المستمر للتحالف الذي تقوده السعودية؛ وتتعرض بلدان أخرى لضغوط بسبب مبيعات الأسلحة إلى الشركاء الخليجيين. ونتيجة لهذا، يعمل المفاوضون الإقليميون والغربيون على مدار الساعة للتوصل إلى تسوية مقبولة تؤدي إلى وقف إطلاق النار الذي قد يوقف الانحدار المتزايد لليمن نحو المجاعة ويضع البلاد على طريق السلام. والمشكلة الوحيدة هي أن الإرادة السياسية الخارجية لا تنهي الحروب الأهلية.
بدأت حرب اليمن كصراع بين اليمنيين، واليمنيون هم الذين يتعين عليهم حشد الإرادة السياسية لإنهائها. وفي الحالات التي يُناقش فيها اليمنيون، كثيراً ما يكون ذلك في سياق خلق النفوذ عليهم. وعلى وجه الخصوص، تكرس موارد كبيرة لمناقشة أي بلد لديه نفوذ على الحوثيين وما يمكن أن يستحضر إرادتهم السياسية لإنهاء الحرب. في حين أن أقرب راعٍ لأي مجموعة في اليمن هو في معظم الأحيان أجنبي، واليمنيون ليسوا دمى. والواقع أن أغلب اليمنيين ما زالوا يعارضون على نطاق واسع التدخل الأجنبي من حيث المبدأ على الأقل، بهدف حماية استقلالهم الذاتي. ولهذا السبب، وبغض النظر عن النفوذ الخارجي الذي يُزعم أنه قائم، فإن الضغط الدولي لإنهاء الحرب لا يكون قابلاً للتطبيق إلا إذا كانت الأطراف نفسها مستعدة لإنهائها.
في الوقت الحالي، ليس لدى الأطراف اليمنية سبب وجيه للتوصل إلى اتفاق. فالحوثيين يندفعون إلى مأرب، منجذبين إلى الموارد الثرية في المحافظة ويهدفون إلى توجيه ضربة إلى معقل حكومي رئيسي. يشعر الحوثيون أن لديهم القليل من الحوافز النسبية للموافقة على وقف إطلاق النار، وقد يضطر التحالف إلى تقديم تنازلات كبيرة للحصول على موافقة الحوثيين، مثل رفع الحصار أو فتح ميناء الحديدة أو مطار صنعاء – كل الخيارات التي يُخشى أنها ستسمح للحوثيين بإعادة الإمداد. في غضون ذلك، بالكاد يتم تحفيز الحكومة اليمنية للدخول في محادثات سلام مع الحوثيين الذين يتقدمون في مأرب خشية أن يؤدي اتفاق انتقالي الآن إلى تقنين مكاسب الحوثيين على الأرض محولاً إياها إلى مكاسب سياسية دائمة. التحالف، إذن، في مأزق: فالظروف ليست مواتية، لكن موقفه التفاوضي يخاطر بمزيد من التدهور مع استمرارية الحرب.
يجب أن يكون الحل مستدامًا
وعلاوة على ذلك، فإن التوصل إلى اتفاق سلام ليس سوى جزء واحد من خلق سلام مستدام في الواقع. ولا تزال مشاكل الحكم التي أدت إلى هذه الحرب قائمة، ومن المحتم أن يؤدي التوصل إلى اتفاق سياسي سريع يقوم بتثبيت مكون حوثي دائم لا يتسق مع شعبيته ويترك جهات فاعلة مهمة قادرة على العمل كمفسدة إلى المزيد من الصراع. وسيحتاج اليمن إلى المساعدة في إنهاء هذه الدورة من خلال بناء دولة واقتصاد مستقر مع المشاركة من جميع أنحاء المجتمع.
سيكون للاتفاق السياسي أساس أقوى إذا كان هناك بالفعل إطار عمل لاستعادة البنية التحتية ومؤسسات الدولة، اقتصاد مستقر، واصطفاف خلف نماذج الحكم الرشيد التي تعمل كخيارات عمل لدولة يمنية مستقبلية (على الأرجح فيدرالية). وعلى الرغم من أن معظم العالم يركز فقط على الطبقة السعودية الإيرانية للحرب، إلا أن الصراع أدى إلى تصدع الدولة اليمنية المركزية، وللمفارقة فإن هذا الأمر يؤكد أهمية نظام الحكم الفيدرالي المخطط الذي أهمل تنفيذه بسبب الصراع: فقد خلص مؤتمر موسع وشامل للحوار الوطني قبل الحرب، إلى أن اليمن الفيدرالي هو المستقبل، حتى لو ظل النظام الفيدرالي الحالي للستة إقاليم مثيرًا للجدل. ومع ذلك، فإن النموذج التصاعدي الذي يسعى إلى تهيئة الظروف للسلام المستدام سيكون بمثابة حبة دواء يصعب ابتلاعها لأنه يتطلب من المجتمع الدولي تبنيّ تعقيدات اليمن وقبول البقاء فيه على المدى الطويل – وهو احتمال لا تفضله أي دولة معنية باليمن.
بالطبع، حتى مع هذا الدعم، فإن اليمنيين أنفسهم هم الذين سيقومون في نهاية المطاف بمهمة استعادة السلام وإصلاح أضرار الحرب. يواصل اليمنيون التأكيد على أنه على الرغم من الفظائع التي سببها الصراع، لا يزال هناك سبب للأمل. يمتلك المجتمع الدولي موارد كبيرة لمساعدة أولئك الذين يعملون على تخفيف الآثار المدمرة للحرب، والتي ستساعد في نهاية المطاف في دعم أي اتفاق سياسي مستقبلي. إذا تم توجيه الإرادة السياسية الدولية لإنهاء الحرب إلى تهيئة الظروف لسلام مستدام، فقد تخلق حوافز للسلام بين الأطراف المحلية في الحرب وبالتالي تدعم الجهود للوصول إلى وقف إطلاق النار والاتفاق السياسي والحفاظ عليهما.
إيلانا ديلوزير زميلة بارزة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وأستاذ مساعد في جامعة جورج تاون. آدم بارون كاتب ومحلل سياسي. كان يقيم في اليمن من 2011 إلى 2014.
إخلاء المسؤولية: الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء الكتاب ولا تعكس بالضرورة آراء ووجهات نظر المركز اليمني للسياسات أو الجهات المانحة له.