آمال عبدالله

الصمود الذاتي – عامل رئيسي في المشاركة الاقتصادية للمرأة الحضرية


يناير 2022

حتى يومنا هذا، لاتزال الأعراف الاجتماعية والثقافية، المتأصلة في النظام الاجتماعي الأبوي في اليمن هي العائق الأساسي أمام تمكين المرأة اليمنية. حيث تقرر هذه الاعراف مسبقًا جميع جوانب حياة المرأة تقريبًا، بما في ذلك الجوانب الاجتماعية والسياسية – والجانب الأكثر أهمية فيما يتعلق بتعافي البلاد – وهو مشاركتها الاقتصادية. إذ يشير تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في نوفمبر 2021 حول تأثير حرب اليمن بأن التعافي الشامل الذي يقوم على المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة سيسمح لليمن ليس فقط “باللحاق – بل بتجاوز – مسار أهداف التنمية المستدامة قبل الحرب بحلول عام 2050”. علاوة على ذلك، يذكر التقرير أن تمكين المرأة من شأنه تحسين “حياة ورفاهية جميع السكان”1. فالنساء اللواتي ينجحن في إدرار دخل ويصبحن مستقلات مادياً يقمن بإعالة أنفسهن والأسرة ويساهمن في التماسك الاجتماعي داخل مجتمعاتهن. بالإضافة إلى ذلك، تأثر العديد من هؤلاء النساء بـ “قدواتهن” وأصبحن أنفسهن قدوة للنساء الأخريات من حولهن بينما يتمتعن باحترام وثقة الأسرة والمجتمع. فقد ذكرت النساء اللواتي تمت مقابلتهن من أجل هذه الدراسة أنهن يشعرن “بالتقدير وبأنهن مسموعات”2 داخل مجتمعاتهن وأسرهن، حيث أصبحن مشاركات في عملية اتخاذ القرار في منازلهن، وعلى وجه الخصوص القرارات المالية.3

 عندما يتعلق الأمر بالمشاركة الاقتصادية للمرأة اليمنية، فمن الواضح أن وجودها في سوق العمل لا يزال هامشيًا مقارنةً بالرجل. وأحد هذه الأسباب هو أن الأعراف الاجتماعية والثقافية المقيدة والتي توصف بعض الأنشطة المدرة للدخل بأنها مناسبة للنساء، وأنشطة أخرى غير مناسبة. وتشمل المهن التي تعتبر “نسائية”، وفقًا لمنظمة العمل الدولية، التدريس، أو التمريض، أو السكرتارية4. تواجه النساء العاملات بشكل عام، وخاصة النساء في المهن التي تعتبر غير مناسبة اجتماعيًا أشكالًا مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء ممارستهن لمهنهن.  لأنهن وبحسب المجتمع تجاوزن المساحات المخصصة للذكور لذا فهن يواجهن العقوبة. فالهدف الأساسي من هذه المضايقات هو ترهيب المرأة العاملة حتى تظل داخل الفضاء “الأنثوي”؛ حيث يهدف هذا العنف إلى الحفاظ على هيمنة الذكور وامتيازاتهم.

ان ما يتم التغاضي عنه في كثير من الأحيان هو أن حرمان النساء من الحصول على حقوقهن الأساسية، مثل التعليم، يتركهن في ضيم دونما حل، مما يؤثر على علاقتهن بمجتمعاتهن. فعلى سبيل المثال، فإن للعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تواجهه النساء تأثير سلبي هائل على صحتهن النفسية5. على النقيض من ذلك، فإن المشاركة البناءة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب التنمية الشخصية والمهنية، يمكن أن يُعزز صحة المرأة الأمر الذي سينعكس على تحسين علاقتها مع مجتمعها. فخلال الصراع الحالي، لعبت المرأة اليمنية دورًا أساسيًا في التوسط وحل النزاعات وتوزيع المساعدات الإنسانية وخلق فرص عمل وتقديم الخدمات والمنتجات لمجتمعاتها، مما يجعل المشاركة الاقتصادية للمرأة مساهمة مباشرة في التماسك المجتمعي. علاوة على ذلك، يسمح الدخل المالي للمرأة برعاية أطفالها وحمايتهم من الانخراط مع الجماعات المسلحة، أو من إجبارهم على الزواج المبكر.6

يتطلب التمكين الحقيقي للمرأة وقدرتها على المشاركة الكاملة في تعافي البلاد والمساهمة في رفاه السكان القضاء على بُنى العنف التي تمنع مشاركتها الفاعلة. فبدون إنهاء هذا العنف، فإنه يتعين على النساء وبصفة شخصية وفي كثير من الأحيان بشكل فردي، الوقوف في وجه الهياكل الأبوية ومواجهة العنف. وفي هذا السياق، تستكشف هذه الدراسة المسارات الخفية لتمكين المرأة لتحديد الدروس للنساء الأخريات في هذا المسار.7 يستخلص هذا البحث أن النساء العاملات يظهرن صموداً يتيح لهن إدارة المواقف السلبية التي يتعرضن لها من المجتمع وفي أماكن عملهن والنهوض بعد هذه الانتكاسات. حيث يفهم هذا الصمود على أنه “عملية تكيفات نمطية يتبناها مجتمع أو فرد في مواجهة الصدمات الداخلية أو الخارجية”.8 ففي الواقع، تم الاعتراف بالصمود كمورد رئيسي للنساء العاملات في المهن التي يهيمن عليها الذكور.9 إذ أن أحد جوانب الصمود هو أن المجتمع أو الفرد يجب أن يتعرض للمخاطر وأن يتخطاها بنجاح.10

 ويتجلى صمود المرأة اليمنية بمجرد أن تكون امرأة عاملة وتظل كذلك على الرغم من كل المحن. ووفقاَ للمقابلات التي أجريت مع 12 امرأة عاملة بين شهري يوليو وأغسطس 2021 في تعز وعدن، تُبين هذه الدراسة بأن الصمود هو العامل الرئيسي الذي يسمح للمرأة بأن تصبح وتظل مشاركة في الاقتصاد اليمني ومساهمة في رفاهها هي وأسرتها. ويعتمد الصمود الذي تظهره النساء العاملات على كل من الصفات الذاتية والبيئة الخارجية، ولكنه أيضًا شيء يمكن تطويره بمرور الوقت. تعمل النساء اللواتي تمت مقابلتهن أثناء إعداد هذه الدراسة في مهن أو أعمال تجارية تعتبر “غير مناسبة” مجتمعياً للنساء، مثل قيادة الحافلة، والهندسة، والشرطة، والإعلام، وتوقيص الأحجار، وامتلاك مقهى أو متجر للإلكترونيات. وتراوحت أعمار المشاركات بين 27-50 سنة، حيث كان خمسة منهن متزوجات واثنتان مطلقتان وثلاث عازبات. وغالبية الذين تمت مقابلتهن قد حصلن على تعليم عال أو دبلوم. وقد تلى المقابلات حلقة نقاشية  مع خمس مشاركات سابقات في البحث ومشاركةإضافية واحدة تعمل في اتحاد نساء اليمن.

العنف القائم على النوع الاجتماعي والأعراف الاجتماعية والثقافية تشكل عائقاً أمام المشاركة الاقتصادية

تختلف الأعراف الاجتماعية والثقافية والقبلية والدينية عبر جغرافية اليمن والتركيبة السكانية. حيث تعتمد تطلعات المرأة في أن تُصبح امرأة عاملة على وضعها الاجتماعي والاقتصادي وموقعها الجغرافي، مع وجود اختلافات كبيرة بين المرأة الحضرية والريفية.11 على سبيل المثال، صرحت معظم النساء اللواتي تمت مقابلتهن من كل من عدن وتعز أن المجتمع في عدن “أكثر انفتاحًا” منه في تعز. ومع ذلك، فإن المجتمعات اليمنية تتأثر وتُحكم بقواعد أبوية بدرجات متفاوتة، بحيث تحدد هذه القواعد الأبوية الأدوار الخاصة بالنوع الاجتماعي، والتي تضمن بقاء الرجل مهيمنًا على المرأة. وهذا مُكرسّ بِعمق في التقاليد اليمنية، التي تربط شرف الرجل بأقاربه من الإناث: كبناته أو أخواته أو زوجاته. وهذا يضع المرأة ضمن مكانة خاصة في المجتمع. وبصفتها الجنس “الأضعف” الذي يحمل شرف العائلة، فمن واجب الرجال حمايتها. وهذا بدوره يستخدم لتبرير المعاملة التمييزية، والحد من فرص المرأة في تحقيق الاستقلال المالي في المستقبل. وتحت ستار الحماية، يتم تقييد حركة المرأة، وكذا تنميتها الشخصية، والتعليمية وتطورها المهني.

يتم تطبيع هذا داخل المجتمع لدرجة أن النساء أنفسهن في كثير من الأحيان لا يشككن في هذه الممارسات، ولكن بدلاً من ذلك تكرر المرأة إنتاج البنى الأبوية داخل الأسرة. حيث يتجلى استيعاب هذه المعايير مثلاً، في مخاوف الفتيات والنساء بشأن عدم الزواج، وبالتالي تجنب خيارات مثل متابعة التعليم أو العمل وتحدي الأعراف المتعلقة بالنوع الاجتماعي. في الحقيقة، تضمن أشكال مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي بقاء المرأة في الدور المنوط بها. كما أنه يتم تحميل النساء المسؤولية عن مختلف أشكال العنف التي يتعرضن لها، حتى أنه يتم توجيه اللوم لهن من قبل النساء الأخريات. فالعديد من النساء في اليمن يقبلن ويتحملن العنف ضدهن في حالة حدوث انتهاك.  حيث أظهر المسح الديموغرافي للأسرة اليمنية الذي تم اجراؤه في عام 201312 أن ما يقرب من 50 في المائة من النساء بررن قيام الزوج بضرب زوجته إذا لم تلب توقعاته.  

يؤدي العنف الاجتماعي والاقتصادي، مثل الحرمان من التعليم أو الاستبعاد من مهن (معينة)، إلى تقليل فرص الفتيات والنساء في المشاركة اقتصاديًا أو الحصول على وظيفة أو الاستقلال المالي13. حيث تُبرر العائلات القيود المفروضة على تعليم الفتيات بالأعراف الثقافية والمعتقدات الدينية14، فضلاً عن الظروف الاقتصادية السيئة.15 في الواقع، يُعد الفقر أحد العوامل الرئيسية التي تحفز الأسر على إجبار بناتها على الزواج المبكر.16 ففي معظم الحالات، يتم تشجيع الأولاد على الدراسة لتوفير مصدر دخل للأسرة، بينما يُنظر إلى تعليم الفتاة على أنه عبء مالي، وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى الزواج المبكر على أنه فرصة لكسب عوائد مالية فورية. حيث يمتد التمييز بين الجنسين في التنشئة إلى جميع مجالات حياتهم. فعلى سبيل المثال، على عكس الفتيات، يتمتع الأولاد بحرية كاملة تقريبًا عندما يتعلق الأمر بحركتهم خارج المنزل. وعلى النقيض من ذلك، فإن الفتيات والنساء مقيَّدات من حيث الأماكن التي يُسمح لهن بزيارتها، والرفقة المسموح لهن بالاختلاط بها، والأوقات والمدة التي يُسمح لهن فيها بالبقاء خارج المنزل.

وفقًا لذلك، يحمل المجتمع صورة سلبية لحد ما عن المرأة العاملة نابعة من الأعراف المستبطنة للنظام الذكوري. حيث اتفقت النساء المشاركات في هذه الدراسة على أن “معظم الناس في المجتمع ينظرون إليهن بازدراء”. فقد أوضحت امرأة تعمل في مجال الإعلام أنها “كثيراً ما تسمع خطباء المساجد والناس العاديين يتحدثون عن أن [النساء العاملات وخاصة في مجال عملها] باعتبارهن متبرجات ولسن نساء صالحات”.17 وبالمثل، وفقًا لبحث حول دور المرأة في بناء السلام في اليمن من قبل الجوفي وزبارة وفيلبريك ياداف، أشار المشاركون من لحج أن النساء في هذه المحافظة اللائي يعملن في مهن مثل “إصلاح السيارات وصيانة الهواتف المحمولة والبناء والتشييد” يواجهن معارضة من المجتمع. وقد عزا الباحثون ذلك إلى كون هذه المهن تشكل “مجالات جديدة للمرأة” و “حددوا هذه الأدوار المستجدة باعتبارها تخلق مصادر جديدة للمقاومة الاجتماعية وانعدام الأمن الجسدي”.18 وتمثل النساء اللائي يعملن في وظائف تعتبر غير مناسبة خرقاً لأدوار النوع الاجتماعي، وبالتالي غالبًا ما يتم استبعادهن بسبب تصرفهن. ولذلك، فإن النساء العاملات في مختلف المهن يتأثرن بدرجات متفاوتة بأشكال العنف التي تهدف إلى ترهيبهن وإعادتهن إلى أدوار النوع الاجتماعي المنوطة بهن.

هناك سيدات نجحن في إقناع أسرهن بالسماح لهن بالعمل، لكنهن قررن بعد ذلك عدم العمل بسبب المضايقات التي يتعرضن لها في الشارع وفي مكان العمل.19 في حين أن العديد من النساء ممن تم مقابلتهن في سياق هذه الدراسة لم يواجهن الكثير من القيود من عائلاتهن، لكنهن شاركن العديد من القصص حول سوء المعاملة والمضايقات التي تعرضن لها خارج أسرهن. ويُنظر إلى تعامل المرأة العاملة مع رجال ليسوا من أقاربها على أنه يتعارض مع الأعراف الاجتماعية ويجلب العار للأسرة.20 فـهذا في حد ذاته يشكل سلوكًا يعتقد الرجال أنه يحتاج إلى تأديب.21 حيث يُنظر إلى انفتاح المرأة بهذا المعنى على أنه أمر سلبي. وينظر الرجال أصحاب الأفكار الأكثر تحفظاً إلى الاستقلال المالي باعتباره تهديدًا لقدرة الرجل على التحكم في المرأة وإلى إثارة مخاوفه بشأن رغبة المرأة في تركه. بحسب الصحفي اليمني خالد قايد، يفضل الرجال اليمنيون الزواج من نساء أميات ولا يعملن، لضمان ألا يجلبن العار ولكيلا يتجرأن على تجاوز الخطوط الحمراء التي تُحدد أدوار الجنسين.22

“كأننا نعيش في غابة – المرأة التي تبلغ عن حالة عنف كأنها تطلب رصاصة في رأسها”

يجب على النساء العاملات أن يتحركن في ديناميكيات السلطة الأبوية بذكاء وإبداع، حتى يتمكّنَّ من مواصلة عملهن ولكيلا يفقدن الحرية التي عملن بجد للحصول عليها. فعلى سبيل المثال، تمكنت بعض النساء المشاركات في الدارسة من إقناع أولياء أمورهن بالسماح لهن بالعمل من خلال طمأنتهم بأنهن يعملن فقط مع العميلات الإناث. ففي الواقع، هناك شُبه إجماع من جميع النساء المشاركات في الدراسة أنه من الضروري أن تكون انتقائيًا فيما يتعلق بالمعلومات التي يتم مشاركتها مع الأسرة. فمثلاً، لا يتم الحديث عن حوادث التحرش في الشارع أو في مكان العمل في المنزل لأن النساء متخوفات من احتمال إجبارهن على ترك العمل، أو أن ولي أمرهن قد يدخل في شجار جسدي مع المتحرش، أوانه سيتم إلقاء اللوم عليهن لأنهن من جلب المضايقات إلى أنفسهن.  إذ يتعين على النساء الموازنة بين عملهن وعائلاتهن بعناية، حيث لا يُسمح لهن في كثير من الأحيان من قبل الأزواج أو الآباء بالعمل إلا إذا كن ملتزمات بعمل المنزل.23 غالبًا ما تتحمل المرأة العاملة، وخاصة المتزوجة، عبئًا مزدوجًا، حيث يتعين عليها العمل وكذلك القيام بالأعمال المنزلية، وتحمل النساء لهذا العبء الإضافي دليل على قوتهن.

بعد أن تتمكن المرأة من التغلب على العقبات التي تشكلها عائلتها، تواجه المضايقات الموجهة لها في الأماكن العامة. حيث يُهيمن الرجال تقليديًا على المجال العام. فمن خلال آليات الرقابة الرسمية وغير الرسمية، يضمن الرجال التزام النساء بالأعراف الاجتماعية والثقافية في المجال العام ويستلزم هذا عموماً عدم تواجد النساء لوحدهن خارج المنزل ما لم يكن هناك سبب محدد ومبرر، حتى في النهار. حيث تهدف الأشكال المختلفة من التحرش إلى ضمان شعور المرأة بعدم الارتياح خارج منزلها والبقاء ضمن أدوار النوع الاجتماعي المحددة لها.  فقد أدى الصراع الحالي إلى زيادة انتشار الأسلحة وإضعاف الرقابة المجتمعية الرسمية في المجال العام من خلال تواجد ضباط الشرطة أو أصحاب المتاجر أو سائقي الحافلات، مما أدى لزيادة مخاوف النساء من مغادرة منازلهن.24 فالنساء يتعرضن للتحرش اللفظي في طريقهن إلى العمل أو التحرش الجسدي في وسائل النقل العامة. فقد أشارت النساء المشاركات في الدراسة، لا سيما النساء العاملات في محافظة تعز، إلى أنهن لا يشعرن بالأمان، خاصة بعد غروب الشمس، عندما تبدأ معظم المحلات في الإغلاق وتخلو الشوارع. فبسبب ضعف الرقابة الاجتماعية، لا يمكن للمرأة الاعتماد على المارة للدفاع عنهن. حيث ذكرت احدى المشاركات أنها كانت تستقل حافلة في الليل، وقام أحد الركاب بكشف عورته أمامها. وعندما طلبت المساعدة من سائق الحافلة، قام بإلقاء اللوم عليها قائلا، “هذا خطأك، لم يخبرك أحد بالخروج من منزلك في هذا الوقت”. لا شك أن هذا السلوك هو مظهر من مظاهر الأيديولوجية الأبوية في الأماكن العامة، الأمر الذي يعزز اعتقاد المرأة بأنها بحاجة إلى حماية الرجل لكي تستمر المرأة العاملة في ممارسة مهنتها.

 فما من خيار أمامها إلا الحفاظ على وتنمية استراتيجيات مضادة للتمظهرات المادية للسلطة الأبوية في الأماكن العامة. تتنقل النساء في الأماكن العامة بطرق تتجنب المضايقات قدر الإمكان؛ وقد تجلت ممارسات الصمود في قيام النساء بإنشاء خريطتهن الذهنية الخاصة حول الأماكن والطرق والأوقات الأكثر أمانًا بالنسبة لهن في الأماكن العامة. فقد أوضحت بعض النساء أنهن يواصلن تغيير طرق المشي إلى العمل من يوم لآخر لتجنب المتسكعين في الشوارع الذين قد يلاحظونهن ويبدأون في مضايقتهن. وأوضحت نساء أخريات أنهن ينتظرن حتى تمتلئ الشوارع بالناس قبل مغادرة المنزل. وتشمل الاستراتيجيات الأخرى التي ذكرتها النساء تجنب دخول الحافلة إذا كانت فارغة، بحيث لا يكن وحدهن في الحافلة مع السائق. وأفاد بعضهن أنهن يحملن وسائل للحماية، مثل السكين أو الصاعق الكهربائي. وأفادت بعض المشاركات أنه عند تعرضهن للتحرش في الحافلة طلبن من السائق إيقاف الحافلة حتى يتمكن من النزول أو طلبن المساعدة من الركاب. كما أوضحت أخريات أنهن يتجاهلن التحرش. فمن ناحية، تشعر النساء بالقلق من أنه إذا قمن بردة فعل تجاه المتحرش فسوف يتسبب ذلك في المزيد من المشاكل. ومن ناحية أخرى، فإن تجاهل المتحرش يشكل استراتيجية غير مباشرة تجاهه، حيث لا تمنحه المرأة رد الفعل الذي كان يبحث عنه: التخويف أو الإشعار بالعار.

إن الأشكال المختلفة من التحرش الجسدي، مثل اللمس غير اللائق، والتحرش اللفظي، بما في ذلك تبادل التعليقات غير الملائمة، لا تتوقف عند وصول النساء لعملهن. فقد صرحت النساء المشاركات في هذه الدراسة أنهن تعرضن للمطاردة عبر الإنترنت من قبل الغرباء بسبب عملهن أو أن بعض زملاءهن الرجال قاموا بمضايقتهن في مكان العمل. على الرغم من أن بعض المشاركات ذكرن أن أصحاب العمل شجعوهن على الإبلاغ عن أي حوادث مضايقة، فإن الكثير من النساء العاملات سيتجنبن الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث لأن هذا سيُؤثر على سمعتهن، وقد ينتهي الأمر بلومهن على ذلك.  لذلك، يجب على المرأة أن تتعامل بحذر شديد مع المضايقة في بيئة العمل. فعلى سبيل المثال، عندما تتعرض امرأة عاملة لمضايقات من زملائها أو مديرها في العمل، فأنه يجب عليها أن تتصرف بشكل دبلوماسي في مواجهتهم لتجنب المزيد من المضايقات وفي نفس الوقت لتتجنب فقدان وظيفتها أو تدمير سمعتها.25

إلا أن النساء اللائي يدرن محلاتهن التجارية يتمتعن بميزة تمكنهن من إنشاء مساحات للنساء آمنة لهن ولغيرهن. فعلى سبيل المثال، أوضحت صاحبات المحلات أنهن وضعن لافتات على أبوابهن تقول “مسموح الدخول للنساء فقط”. وقد أفادت أخريات بإغلاق باب المحل لتجنب المضايقات أو طلبن من إخوتهن أو أزواجهن أو أبناءهن مرافقتهن إلى المتجر لمساعدتهن في التعامل مع العملاء الرجال. ومع ذلك، تعاني النساء أيضًا من نقص في تقدير مهاراتهن لأنه يُنظر إليهن على أنهن “ضعيفات”. وقد أفادت النساء عن استبعادهن من الفرص، مثل الترقيات والدورات التدريبية وزيادة الرواتب، بسبب نوعهن الاجتماعي. كما تُمنع النساء من أداء عملهن إذا كان فيه خطر أمني. فعلى سبيل المثال، أفادت نساء عاملات في مجال الإعلام والشرطة أنه لم يُسمح لهن بأداء واجباتهن إذا تضمنت العبور إلى أراضي الحوثيين. كما طورت النساء آليات تأقلم إيجابية، فعلى سبيل المثال، تُنظم ضابطة شرطة رحلات خاصة بها، حيث تقول “أحرص دائمًا على الخروج في رحلات ترفيهية والسفر إلى عدن أو أي منطقة أخرى بعيدًا عن بيئة العمل وهذا يمنحني الطاقة لمواصلة العمل “.26

صمود النساء العاملات

إن حقيقة أن المرأة تعمل وتوفر دخلاً لأسرتها، خاصة إذا قامت بذلك في مهنة يهيمن عليها الذكور، فهذا برهان على الصمود الذي ساعدها على التحمل والوصول إلى ما وصلت إليه الآن. ففي دراسة حول صمود النساء العاملات في المهن التي يهيمن عليها الذكور أشار تيرنر وآخرون بأن القدوات التي يحتذى بها، والشبكات، والدعم الاجتماعي، والآراء، بالإضافة إلى ثقافة التعلم والمشاركة، هي موارد خارجية مهمة، في حين أن الثقة بالنفس، والتفكير الذاتي، والكفاءة الذاتية، والشعور بالغاية هي مقدرات شخصية مهمة يمكن أن تعزز الصمود عند النساء في مكان العمل.27 أن ما تشترك فيه هؤلاء النساء هو أنهن لم تُثبط عزيمتهن العقبات والتخويف، بل واصلن العمل. في الحقيقة، أكدت العديد من النساء العاملات بشكل مباشر وغير مباشر في المقابلات أن لديهن ثقة في أنفسهن وعملهن، وأنهن وصلن إلى ما هن عليه لأن لديهن قوة الإرادة والقدرة على تجاهل التصورات السلبية التي يتبناها المجتمع عنهن، وأكدن أن “المثابرة” هي التي سمحت لهن بالتغلب على القيود المفروضة على تعليمهن وعملهن وحريتهن واستقلالهن الذاتي.28 فالكفاءة الذاتية للمرأة تنعكس في الطريقة التي تغلبت بها على العقبات. فقد أوضحت بعض النساء المشاركات في الدراسة أنهن قمن ببيع  منتجات مصنوعة في المنزل، كالآيس كريم أو الطعام، أو عملن في تصفيف الشعر أو الخياطة أو بيع الملابس لتمويل تعليمهن أو تدريبهن. لكن أخريات استجمعن الشجاعة وتركن أزواجهن، وغادرن علاقات مؤذية منعتهن من مواصلة تعليمهن والحصول على وظيفة.29

لقد تعلمت العديد من النساء المشاركات هذه الصفات من قدواتهن، ومعظمهن كن أمهاتهن أو نساء ناجحات أصبحن شخصيات عامة. ووصفن أمهاتهن بأنهن “ناضلن” و “كافحن” بشدة، خصوصاً بعد مواجهة البعض منهن ظروفاً صعبة. حيث قالت إحدى النساء، وهي مديرة شرطة، أن والدتها “تحب العمل وشجعتني على التعلم لذلك تعلمت منها قوة الإرادة المطلقة”.30 واستطردت ضابطة الشرطة قائلة كيف مكّن الدخل الذي كانت تدره والدتها الأب من فتح ورشة عمل، ليس فقط لتوضيح كيف يمكن للمرأة العاملة أن تدعم الأسرة مالياً، ولكن أيضًا كيف تحدت الأم بطريقة غير مباشرة أدوار النوع الاجتماعي من خلال توليد دخل وتوجيه الأب لاستثمار دخله في مشروع جديد. واعتبرت أخريات أن آباءهن المثابرين قدوتهن، وأكدن أنهم أيضًا لم يستسلموا في مواجهة المصاعب. وذكرت العديد من النساء الشخصيات العامة كقدوات يحتذى بها، بما في ذلك (أمة العليم السوسوة، ورؤوفة حسن ورمزية الإرياني. وقد كان أكثر ما ألهم النساء هو قدرة هذه الشخصيات العامة على استخدام تعليمهن ومهاراتهن لمساعدة الآخرين وفعل الخير. وأوضحت صاحبة مشروع من تعز: “رأيت [هؤلاء النساء] كنساء ناشطات في المجتمع، وصانعات قرار. وأود أن أسير على خطاهن للمشاركة في صنع القرار والمساهمة في خدمة المجتمع”.

ينعكس نوع التأثير الذي أحدثته هذه النماذج على النساء أيضًا في فهم النساء لذواتهن اليوم. حيث تدرك هؤلاء النساء حقيقة أنهن أصبحن أيضًا قدوة ويؤثرن على النساء الأخريات لمتابعة العمل والحياة المهنية. في الواقع، تعتقد العديد من النساء العاملات المشاركات في الدراسة أنه من خلال كونهن نموذج إيجابي، يمكنهن تغيير الطريقة التي يعامل بها المجتمع المرأة العاملة بشكل عام. فقد أكدت إحدى المشاركات أن المرأة يمكن أن تحظى بقبول المجتمع من خلال “تكريس نفسها لعملها بمثابرة. وأنها بالتأكيد ستواجه مصاعب ومضايقات لفظية، لكن ينبغي عليها تجاهلها، ففي النهاية سيقبلها الناس وستصل إلى أهدافها “. كونها نموذج يحتذى به، بينما المهنة نفسها تمنح المرأة إحساسًا أكبر بالغاية. وأوضحت ضابطة الشرطة أنها مدفوعة لمواصلة عملها للوفاء بواجبها الوطني، وتحقيق ذاتها، وخدمة النساء، والشباب.

وعلى الرغم من أن النساء العاملات يتمتعن بالكثير من السمات الشخصية التي تسمح لهن بتعزيز الصمود، إلا أنهن يعتمدن في نفس الوقت على موارد خارجية. حيث أكدت النساء في المقابلات أن الدعم من الأسرة والجيران والأصدقاء والعملاء والزبائن يحفزهن على مواجهة التحديات ومواصلة العمل. في حين أن بعض النساء بدأن في طلب الدعم المالي من حين لآخر، إلا أنهن يزدهرن نتيجة الدعم المعنوي. حيث ذكرت سائقة حافلة، ” كان هناك أشخاص شجعوني، وأحيانًا كان السائقون الذين يمرون بجواري يرفعون إبهامهم للتشجيع”.31 وبالمثل، أوضحت ضابطات الشرطة وصاحبات الأعمال الذين تمت مقابلتهن أن أصدقاءهن وإخوتهن يدعمونهن. حيث ذكرت امرأة عاملة أن أفراد الأسرة الآخرين، وخاصة الأخوات، يدعمونهن في أعمالهن المنزلية لمواصلة العمل خارج المنزل. بالإضافة إلى ذلك، وبالمقارنة مع نتائج أبحاث الأخرى، 32 ففي حين أن بعض المبحوثات تعرضن لضغوط ورفض من أفراد عائلاتهم الذكور، أشارت مستجيبات أخريات إلى أن أفراد الأسرة مثل الأبناء أو الإخوة أو الأزواج قد دعموهن أيضًا في عملهن.

بالإضافة إلى العلاقات الشخصية، تعمل منظمات المجتمع المدني، مثل اتحاد نساء اليمن والعديد من المنظمات غير الحكومية الدولية / المحلية الأخرى، كشبكات تضامن. إذ بالإضافة إلى مبادرات التوظيف لتعيين النساء33، تقوم هذه المنظمات بتنفيذ برامج التمكين التي شجعت، على وجه الخصوص، رائدات الأعمال من خلال التدريب على ريادة الأعمال وشروط التمويل.34 والأهم من ذلك، ساعدت منظمات كاتحاد نساء اليمن كثير من النساء في التغلب على أزماتهن النفسية والاجتماعية وشجعتهن على أن يكون لهن دور فعال في المجتمع. فعلى سبيل المثال، ذكرت صحفية من تعز أن رئيسة اتحاد نساء اليمن في تعز ساعدتها من خلال إلحاقها بوظيفة إلى جانبها، وقالت “عملت معها في اتحاد نساء اليمن عندما كان عمري حوالي 16 سنة. وقد قمت بتدريس فصول في محو الأمية، ثم أصبحت رئيسة اتحاد نساء اليمن في احدى المديريات”.35

بناء القدرة على الصمود كأساس للتمكين الإقتصادي للمرأة

 منذ إعلان الأمم المتحدة للأهداف الإنمائية للألفية اتحول تمكين المرأة ليصبح في مركز برامج التنمية. تزعم البروفيسورة أندريا كورنوول الأستاذة بقسم الدراسات الأفريقية والشرقية أن منظمات التنمية السائدة تنظر إلى التمكين على أنه وجهة يتم الوصول إليها عبر الطرق السريعة للتنمية وعلى أي أرض كانت.”36 وتجادل أن هذا المنظور الذي تعتمده هذه المنظمات بما في ذلك منح القروض والفرص التجارية ووسائل إدرار الدخل قد تساعد في تمكين المرآة على التغلب على الفقر، لكنها لا تحدث تحولاً. تكتسب مشاريع التمكين التقليدية التي تهدف إلى بناء مهارات المرأة وتوفير فرص تمكينها أهمية خاصة حيث أنها ذات تأثير إيجابي في مشاركة المرأة اقتصادياً. تجادل هذه الدراسة بأن هناك حاجة إلى نهج أكثر شمولية لتحقيق تمكين المرأة بالدرجة التي تجعلها تسهم بشكل كبير في تعافي البلد بعد الصراع،  وأن هناك جوانب للتمكين تتعدى غياب أو توفر الفرص والتمويل.  

وبالنظر إلى الأدب النسوي من ثمانينيات إلى تسعينيات القرن الماضي، تقول كورنويل أن التمكين أولاً ليس أمراً يمكن القيام به للآخرين ومن أجلهم ولكنه يجب أن يبدأ من ديناميكيات الاضطهاد والاضطهاد المستبطن وذلك من خلال اتباع عملية من شأنها أن تحدث تحولاً في الوعي.  وهذا وحده قد يتيح للمرأة الحد من المعتقدات والتوقعات التقليدية “التي تجعلها حبيسة لأوضاع الخضوع والتبعية.” وثانياً فيما يخص التحولات خارج إطار الفرد فإنه ينبغي أن يكون الهدف هو التفاعل مع الأعراف الاجتماعية الثقافية التي تحدد ما ينبغي أن تكون عليه المرأة أو الرجل وماذا ينبغي عليهم أن يعملوه. و في سياق الحرب، قد يعني هذا تزايد في القبول المجتمعي للنساء العاملات والنساء العاملات ممن يعملن في وظائف  تعد في نظر المجتمع غير مناسبة. بل أن هناك حالات يشجع فيها أفراد المجتمع المرأة على العمل.37 و مع ذلك فإنه هناك تساؤلات38 حول ما إذا كان تزايد هذا القبول المجتمعي عرضياً و مرتبطاً فقط بسنوات الحرب أم أنه سوف يصنع تغييراً اجتماعياً على المدى المنظور.39 ولكن في الوقت نفسه فإن هذا القبول يتفاوت بدرجة كبيرة كون المجتمعات القبلية والمحافظة ترفض تغيير أدوار النوع الاجتماعي التقليدية.

لا شك أن التعاطي بصورة ناقدة  مع الأعراف الاجتماعية والثقافية أمر حساس للغاية وقد ناضلت الحركة النسوية في هذا الصدد منذ عقود.40 وقد بينت ألما هاشم، وهي تعمل في المجال التنموي، في مقال لها نشر في مجلة المدنية أن المنظمات تحث على تمكين المرأة و لكنها بطريقة أو بأخرى تخضع للنظام الذكوري اليمني.41 وبطبيعة الحال، فإن المنظمات لا تريد أن تغضب الرجال وهم إخوة أو آباء أو أزواج النساء اللواتي تخطط بأن تعمل معهن، و لا بد لهذه المنظمات من احترام الأعراف الثقافية في كثير من الحالات. كما أن نهجاً تحولياً نحو تمكين المرأة يستلزم  العمل على مستوى  هذه الأعراف التقليدية.  لكي يتم تجنب تهميش الرجال في مسيرة تمكين المرأة ينبغي أن يراعي النهج الاعتبارات الثقافية للمجتمع ويتعين تكييفها لكي تتناسب مع مستوى المعرفة و اللغة للفئات المستهدفة. وينبغي أن تشمل مشاريع تمكين المرأة الشباب وذلك بهدف رفع مستوى وعي المجتمع حول الكيفية التي تقيد بها الأعراف الأبوية النوع الاجتماعي وكيف أنها تؤثر على كل من الرجل والمرأة.  فعلى سبيل المثال، يقول مختار أحمد، في بودكاست كاليدوسكوب حول تواجد المرأة في المساحات الإلكترونية،42 أنه ينبغي أن يتناول النقاش حول تمكين المرأة الأخ المتسلط والأب المقيِّد وكذلك الشخص المتحرش.

و طالما لم يتم التخلص من العنف البنيوي المتأصل في الأعراف الثقافية للمجتمع اليمني فإن على المرأة أن تعزز من قدرتها على الصمود لكي تظل امرأة عاملة، فالصمود هو قدرة تمارس و تطور مع الوقت و ليست سمة ثابتة.43 كما يلعب التفكير الذاتي و مشاركة المعرفة دوراً هاما  في تعزيز الوعي النقدي و الصمود، و هذا يتطلب مساحات آمنة للنساء بمختلف  الأعمار و الخبرات من أجل التشبيك والتأمل  وتبادل الأفكار، فهذه المساحات بمقدورها أن تقدم الرفقة والتضامن والدعم، ولكنها أيضا أماكن يتم فيها مناقشة الاستراتيجيات والتصرفات وردود الأفعال والخبرات السلبية بل أن هذه إذا تطلب الأمر بالإمكان تشكيلها لتصبح دروساً وتجارباً من الممكن أن يتم الاستفادة منها.  

بينما يمكن لمنظمات المجتمع المدني إنشاء مثل هذه المساحات على أرض الواقع، واتحاد نساء اليمن هو أفضل مثال لهذه الممارسة، فإن المساحات الرقمية تصلح أيضًا لمثل هذا التشبيك .وهذا تجسد جليا في أحداث 2011 عندما أبرزت المرأة دورها الفاعل في ثورة 2011 عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال التواصل مع النساء الاخريات وإلهامهن للعمل بنفس الطريقة.44 حيث يمكن تنسيق هذه المساحات من خلال المعالجين والاستشاريين النفسيين، الذين بمقدورهم دعم النساء في تطوير استراتيجيات  تُمكنهن من التكيف مع التحديات الاستثنائية التي يواجهنها. وخصوصاً بما يتعلق  بالأوضاع التي يتعرضن فيها للتحرش اللفظي أو الجسدي، وقد تكون هذه المساحات لدعم وتطوير الاستراتيجيات والرعاية الذاتية في مواجهة المشاعر السلبية وضغوط العمل. في الوقت نفسه، لا يخلو وجود النساء عبر الإنترنت من خطر المضايقات. حيث أصبحت المطاردة والتنمر عبر الإنترنت ظاهرة عادية لتخويف النساء وابتزازهن.45 ونتيجة لذلك، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تردد النساء في المشاركة في التواجد على المنصات العامة على الإنترنت. ومع ذلك، في نفس البودكاست المذكور سابقًا،46 أشارت فاطمة نبيل، خبيرة وسائل التواصل الاجتماعي في المركز اليمني للسياسات، إلى أن النساء يعتبرن المجموعات الخاصة على فيسبوك آمنة ويعتبرنها مساحة “للتضامن”، حيث يتم سماع أصواتهن وآرائهن ومساهمتها بالتغيير. 

 ونظرًا للمضايقات التي تتعرض لها النساء في أماكن مختلفة، فضلاً عن انتشار الأسلحة في الأماكن العامة، يمكن لمشاريع التمكين أيضًا أن تولي مزيدًا من الاهتمام للعنف اليومي الذي تتعرض له المرأة العاملة. فمن جهة يمكن أن تشمل مشاريع تمكين المرأة مجموعات الدعم والتدريب على كيفية تعامل النساء مع مختلف أشكال التحرش التي يتعرضن لها في طريقهن إلى العمل وفي مكان العمل. من جهة أخرى ، يمكن لفت انتباه الناس إلى التحرش الذي تتعرض له النساء بهدف تغيير التناول العام حول من هم الضحايا ومن هم الجناة.

وفي هذا الصدد، ما زال اليمن ينتظر حركة “#أنا_أيضاً” الخاصة به ” فقد أثبتت مثل هذه الحملات سابقاً نجاحها بالفعل في زيادة بعض الوعي. فعلى سبيل المثال، في عام 2012، أطلقت غيداء العبسي حملة علنية للفت الانتباه إلى التحرش في الشوارع، كما شجعت النساء على الإبلاغ عن أي حوادث تحرش، مما ساعد في جمع بيانات إحصائية عن الظاهرة. وفي السياق نفسه، ركزت حملة “أشتي حقي” على النساء اللواتي أجبرتهن سلطة الأمر الواقع للحوثيين في صنعاء على ترك وظائفهن. وعلاوة على ذلك، في محاولة لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة، أطلقت جهاد محمد حملة عبر هاشتاق “#لا_تسكتيش” لنشر الوعي بالآثار السلبية الهائلة للعنف القائم على النوع الاجتماعي.47 أن لمثل هذه الحملات تأثير واضح، وما نحن بحاجة إليه  هو نقاش أوسع يشمل كلاً من الرجال والنساء.  

إن قائمة التوصيات هذه أبعد ما تكون عن كونها شاملة لكل التوصيات الضرورية، ولذا يتعين إجراء المزيد من الأبحاث لفهم كيف تختلف الأعراف الاجتماعية والاقتصادية المقيدة من منطقة جغرافية الى منطقة أخرى ومن طبقة اجتماعية اقتصادية إلى أخرى. وعلى وجه الخصوص سيسمح استطلاع الآراء التي يتبناها جميع أفراد المجتمع – رجالًا ونساءً – بتطوير نهج أكثر دقة وشمولية وحساسية ثقافية لتمكين المرأة.  أن البحث النوعي حول الكيفية التي حررت بها النساء أنفسهن من الاضطهاد المستبطن، وكذلك إجراء البحث مع عينة أكبر من النساء حول استراتيجيات الصمود التي قمن بتطويرها، سيقطع شوطًا طويلاً في دعم النساء. إذ أنه من الممكن، بناءً على بحث شامل -مع خبراء المجتمع المدني (مثل عضوات اتحاد نساء اليمن) و المعالجين النفسيين، والنساء العاملات، والخبراء في الأعراف الاجتماعية والثقافية في اليمن، وممثلين عن الرجال، تطوير دليل إرشادات يراعي الاعتبارات الثقافية من أجل نهج شامل لتعزيز صمود المرأة وسبل التعاطي مع الأعراف السائدة.


آمال عبد الله زميلة باحثة في المركز اليمني للسياسات. نشرت تحليلات على مدونة “مجلس” في موقع المركز اليمني للسياسات، وعملت كمترجمة لمشاريع المركز والعديد من المنظمات الأخرى، بما في ذلك تدريب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومركز التوثيق لجنوب غرب آسيا والمنطقة العربية. كتبت تقارير حول مواضيع مختلفة، بما في ذلك تأثير تعليم المرأة على معدلات الخصوبة في اليمن، وتركز اهتماماتها على التنمية والاقتصاد الأسري وقضايا التنمية.

المانح:
وزارة خارجية ألمانيا الاتحادية
التحرير:
مرايكا ترانسفيلد
محررو النسخة: جاتيندر بادا، فاطمة صالح (العربية)
الترجمة:
موسى المظفري
الصورة:
البراء منصور

  1. هانا، ك.بول ود. موير ، “تقييم تأثير الحرب في اليمن: مسارات التعافي” ، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، 23 نوفمبر / تشرين الثاني 2021. https://www.ye.undp.org/content/yemen/en/home/library/assessing-the-impact-of-war-in-yemen–pathways-for-recovery.html
  2. المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن، يوليو – 15 أغسطس 2021.
  3. فوزية العمار وهانا باتشيت، “إعادة التفكير في تداعيات الحرب على المرأة في القوى العاملة اليمنية” ، 23 يوليو / تموز 2019. https://sanaacenter.org/files/Rethinking_Yemens_Economy-policy_brief_13.pdf
  4. منظمة العمل الدولية، “موجز السياسة رقم 5 ، المرأة في التعليم والتدريب التقني والمهني في اليمن ،” منظمة العمل الدولية ، 23 سبتمبر / أيلول 2009. https://www.ilo.org/gender/Informationresources/WCMS_114217/lang en/index .htm
  5. “سوزان ريس، ديريك سيلوف، تيان تشي وآخرون، “مدى انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي في النساء والعلاقة مع الاضطرابات العقلية والوظيفة النفسية الاجتماعية” ، جاما 306 ، رقم 5 ، 513-521. 3 أغسطس ، 1201. https://jamanetwork.com/journals/jama/article-abstract/1104177
  6. مقابلات ومتابعة منتدى أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن في الفترة من يوليو إلى 15 أغسطس 2021.
  7. “أندريا كورنوال، “تمكين المرأة: ما الذي ينجح؟”، مجلة التنمية الدولية 28، لا. 3 (2016): 342-359. https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1002/jid.3210
  8. “فيليب بوربو، “الصمود والسياسة الدولية: النظريات والمناقشات والأجندة” مراجعة الدراسات الدولية 17، لا. 3 (2015): 374-395. https://www.jstor.org/stable/24758620
  9. “ميشيل ترنر، سارة هولدسورث، كريستينا إم سكوت يونغ، وكارا ساندري، “الصمود في مكان عمل عدائي: تجربة النساء في موقع البناء” ، إدارة البناء والاقتصاد 39 ، لا. 10 (2021): 839-852 https://rb.gy/wijvqd
  10. “فريزر، مارك دبليو، مايدا ج. جالينسكي، وجاك إم ريتشمان. “المخاطر والحماية والصمود: نحو إطار مفاهيمي لممارسة العمل الاجتماعي،” بحث العمل الاجتماعي 23 ، لا. 3 (1999): 131-143. https://academic.oup.com/swr/article-abstract/23/3/131/1618626
  11. “.مارتا كولبورن، “مراحل حياة امرأة يمنية”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 10 مارس 2021. https://sanaacenter.org/files/The_Life_Phases_of_a_Yemeni_Woman_en.pdf
  12. “المسح الوطني للصحة والديموغرافيا اليمنية 2013،” وزارة الصحة العامة والسكان، الجهاز المركزي للإحصاء، البرنامج العربي لصحة الأسرة، مريلاند بالولايات المتحدة الأمريكية: ICF International (2015) https://dhsprogram.com/pubs/pdf/FR296/FR296.pdf
  13. “مجلس أوروبا، “المسائل النوعية: العنف الاجتماعي والاقتصادي”. https://www.coe.int/en/web/gender-matters/socio-economic-violence
  14. “أحلام أحمد، “أنا الفتاة الوحيدة في عائلتي وقريتي التي أكملت دراستها وحققت أحلامها”، عالمهم، 14 مايو 2018 https://theirworld.org/voices/my-struggle-as-girl-in-yemen-to-get-education
  15. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  16. “سارة فيرجسون، “بعد سنوات من الحرب الأهلية، زواج الأطفال آخذ في الازدياد في اليمن” ، اليونيسف في الولايات المتحدة الأمريكية ، 13 ديسمبر / كانون الأول 2017. https://www.unicefusa.org/stories/after-years-civil-war-child-marriage-rise-yemen/33762
  17. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  18. “إيمان الجوفي، بلقيس زبارة وستيسي فيلبريك ياداف، “دور المرأة في بناء السلام في اليمن”، موجز كاربو 14، رقم. 27 ، فبراير 27، 2020 https://carpo-bonn.org/wp-content/uploads/2020/02/carpo_brief_14.pdf
  19. خالد قايد، “يريدونها جاهلة ومطيعة ومربية أطفال: عن المرأة العاملة في اليمن”، رصيف22، 7 أكتوبر، 2019. https://rb.gy/psdybr
  20. “ماريك ترانسفيلد، ” الحركة غير الشبابية في صنعاء: تغيير المناطق الجغرافية التقليدية من خلال الموضة والفن والموسيقى”، في اليمن والبحث عن الاستقرار: السلطة والسياسة والمجتمع بعد الربيع العربي، تحرير ماري كريستين هاينز، 231- 257. لندن • نيويورك: آي بي. توريس، 2019. https://rb.gy/3vsjne
  21. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  22. خالد قايد، “يريدونها جاهلة ومطيعة ومربية أطفال: عن المرأة العاملة في اليمن”، رصيف22، 7 أكتوبر، 2019. https://rb.gy/psdybr
  23. “إيمان الجوفي، بلقيس زبارة وستيسي فيلبريك ياداف، “دور المرأة في بناء السلام في اليمن”، موجز كاربو 14، رقم. 27 ، فبراير 27، 2020 https://carpo-bonn.org/wp-content/uploads/2020/02/carpo_brief_14.pdf
  24. “جيل فالنتين، “جغرافيا خوف المرأة،” منطقة 21، لا. 4 (1989): 385-90. http://www.jstor.org/stable/20000063
  25. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  26. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  27. “ميشيل ترنر، سارة هولدسورث، كريستينا إم سكوت يونغ، وكارا ساندري، “الصمود في مكان عمل عدائي: تجربة النساء في موقع البناء” ، إدارة البناء والاقتصاد 39 ، لا. 10 (2021): 839-852 https://rb.gy/wijvqd
  28. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  29. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  30. المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع ضابطة شرطة، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  31. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع سائقة حافلة في تعز، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  32. “إيمان الجوفي، بلقيس زبارة وستيسي فيلبريك ياداف، “دور المرأة في بناء السلام في اليمن”، موجز كاربو 14، رقم. 27 ، فبراير 27، 2020 https://carpo-bonn.org/wp-content/uploads/2020/02/carpo_brief_14.pdf
  33. “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، “المساواة بين الجنسين”، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اليمن. https://www.ye.undp.org/content/yemen/en/home/gender/in-depth.html
  34. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع صحفية ومهندسة إلكترونيات في تعز، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  35. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع صحفية في تعز، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  36. “أندريا كورنوال، “تمكين المرأة: ما الذي ينجح؟”، مجلة التنمية الدولية 28، لا. 3 (2016): 342-359. https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1002/jid.3210
  37. “المقابلات التي أجراها المركز اليمني لقياس الرأي العام مع النساء العاملات في تعز وعدن، يوليو- 15 أغسطس 2021.
  38. “علاء الدين الشلالي، “من بيع الخبز والورد إلى العقارات والأسلحة النارية”، مجلة المدنية، 28 أكتوبر، 2020. https://almadaniyamag.com/2020/10/28/selling-bread-roses-real-estate/
  39. “ياباري. أ، ح.البكاري، إل. علياجا، إن. الكبسي، إي بورن، إل نورثيدج، تي ويست وم. هاينز، “تعزيز دور المرأة في السلام والأمن في اليمن”، CARPO، Saferworld، ومركز اقتراع اليمن، 1 يوليو، 2016. https://rb.gy/fp2kce
  40. “الحركة النسوية اليمنية، “النسوية في اليمن: الآن ليس وقت النساء”، جيرلز غلوب، 16 مارس، 2020. https://rb.gy/vaxra2
  41. ألما هاشم، “أثر النظام الأبوي على المساعدات الإنسانية في اليمن”، مجلة المدنية، 19 فبراير 2019. https://almadaniyamag.com/2019/02/19/impact-of-patriarchy-on-humanitarian-assistance-in-yemen/
  42. “المركز اليمني للسياسات (YPC)، “حملات التضامن مع المرأة اليمنية”، YPC، 11 نوفمبر، 2021. https://www.yemenpolicy.org/solidarity-campaigns-with-yemeni-women/
  43. “فيليب بوربو، “الصمود والسياسة الدولية: النظريات والمناقشات والأجندة” مراجعة الدراسات الدولية 17، لا. 3 (2015): 374-395. https://www.jstor.org/stable/24758620
  44. مرايكا ترانسفيلد، ” الحركة غير الشبابية في صنعاء: تغيير المناطق الجغرافية التقليدية من خلال الموضة والفن والموسيقى”، في اليمن والبحث عن الاستقرار: السلطة والسياسة والمجتمع بعد الربيع العربي، تحرير ماري كريستين هاينز، 231- 257. لندن • نيويورك: آي بي. توريس، 2019. https://rb.gy/3vsjne
  45. “آزال السلفي، “شبكات الظل ومسار المرأة اليمنية نحو الحماية”، المركز اليمني للسياسة، يناير 2022. سيتم نشرها قريبا.
  46. “المركز اليمني للسياسات (YPC)،”حملات التضامن مع المرأة اليمنية”، YPC، 11 نوفمبر، 2021. https://www.yemenpolicy.org/solidarity-campaigns-with-yemeni-women/
  47. “زهرة القدسي، “مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي في اليمن يستردون حق أولئك الذين خذلهم القانون”، Open Democracy، 12 أبريل 2021. https://rb.gy/gk78kk
النشرة البريدية للمركز اليمني للسياسات
تابعنا على شبكات التواصل الإجتماعي
×