مقدمة كاليدوسكوب
أهلا وسهلا فيكم في بودكاست كاليدوسكوب، مصدركم للاستلهام.
زي منظار الكاليدوسكوب اللي نشوف من خلاله اشكال وانماط مرئية متغيرة لا محدودة، في هذا البودكاست، بتسمعو وجهات نظر وأفكار مختلفة، وبنستضيف أشخاص وخبراء من شتى المجالات اللي بيطرحوا مواضيع متنوعة عن مجموعة قضايا من زوايا جديدة لجميع مناحي الحياة، بهدف دمج الأفكار وإلهامنا بحلول مبتكرة.
لا تنسوا أنتوا جزء من هذا الكاليدوسكوب، ومشاركة أفكاركم مهمة بالنسبة لنا. تواصلوا معنا بعد كل حلقة على وسائل التواصل الاجتماعي أو على [email protected].
المقدمة
منذ عام 2015 ، إلى جانب فقدان السلامة العامة، انهار قطاع الشرطة في العديد من المناطق اليمنية. و لم يبدأ إعادة بناء القطاع إلا في نهاية عام 2016. ولكن على الرغم من هذه الجهود ، تظل ميزانية التشغيل السنوية لأقسام الشرطة على مستوى المديريات شبه معدومة، ولا يتم صرف الرواتب في كثير من الأحيان لمدة أشهر أو سنوات؛ حتى أن بعض مراكز الشرطة تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية المطلوبة لممارسة العمل، بالإضافة للكادر الكافي او المؤهل .
في حلقة اليوم بنتكلم عن مؤسسة الشرطة في المناطق التابعة للحكومة المعترف بها دوليا؛ والتحديات الناتجة عن الحرب و مصدرها، وكيف تمكن القطاع من مواصلة مهامه رغم وجود كل هذه العقبات.
معكم محمد الارياني باحث مستشار بالمركژ اليمني للسياسات و ضيوفي اليوم – الاستاذ كمال من المركز اليمني لقياس الرأي العام.. والاستاذة رشا قائد الكتيبة النسائية في اللواء ٣٥ مدرع سابقا.
اهلا وسهلا بكم في البودكاست الخامس ضمن سلسلة حلقات الكاليدوسكوب المقدم من المركز اليمني للسياسات.
محمد: استاذ كمال، من خبرتك عن القطاع ؛ ممكن تكلمنا أكثر عن الوضع الحالي لمؤسسة الشرطة في اليمن؟
كمال: مرحباً محمد، ممكن الحديث عن الوضع الحالي للشرطة من جانبين، الجانب الأول: الشرطة كبنية و من جانب آخر ” الشرطة كوظيفة ودور”
في الجانب الأول ممكن التطرق لهيكلية الشرطة، وموقعها في النظام/ الدولة، كما يمكن الحديث عن إمكانيات الشرطة الحالية، المقرات، الأفراد، التسليح..الخ
وفي الحقيقة لا يمكن القول أن هناك تغير جوهري في هيكلة الشرطة، وموقعها في النظام، أقسام الشرطة تتبع إدارات الأمن في المحافظات، وهكذا بالنسبة لإدارات الأمن في المديريات (في المديريات تعمل إدارات الأمن عمل أقسام الشرطة مع أنه من المفترض أن يكون هناك أقسام شرطة في العزل أيضا، وهذا الأمر يسبب مشكلات أمنية متعددة يمكن التطرق لها لاحقا).
بالنسبة لمقرات الشرطة، في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الشرعية والتي شهدت صدامات عنيفة بين جماعة الحوثي والمقاومة كمدينة تعز مثلا تضررت الكثير من أقسام الشرطة، والآخر تعرض للنهب أثناء الصراع.
لاحقا اضطرت الشرطة الى اتخاذ مقرات بديلة ليست مؤهلة بالقدر الكافي و لا يوجد فيها الموارد اللازمة للعمل.
محمد: فعلا، كلامك صحيح ، وأثر العجز في هذه الإمكانيات بشكل كبير على أداء القطاع؛ لكن ماذا عن الجانب الآخر؟ وهل مازال هناك دور فعال للشرطة؟
كمال: في الجانب المتعلق بدور ووظيفة الشرطة، في مناطق الشرعية هناك تراجع لدور الشرطة، لصالح جماعات مسلحة غير نظامية، ولصالح أطر أمنية مستحدثة يمكن الحديث عنها لاحقا.
لكن يمكن القول أن دور الشرطة تحسن مقارنة بما كان عليه الحال قبل 4 سنوات مثلاً.
محمد: استاذة رشا، تقدري تكلمينا اكثر عن منظور اليمنيين لمؤسسة الشرطة بشكل عام، وإذا كان تراجع دور الشرطة في المجتمع بعد الحرب أدى إلى تغيير هذا المنظور؟
رشا: في الحقيقة فقد اليمنيين الثقة بقطاع الأمن و أقصد هنا في الأماكن التي تسيطر عليها الشرعية ،لأن القائمين بدور رجال الأمن هم أنفسهم من يفتعلون المشاكل و أنفسهم من يقوموا بالظهور على أساس حلها ، كما أن تسيس الجهاز الأمني جعل المواطن لا يثق أيضا بأداء عمل الأجهزة الأمنية حيث يتحرك هذا الجهاز على حسب أهواء القيادات العسكرية التي تنتمي لحزب معين ،قبل الحرب كان هناك وجود للدولة و لو بشكل شكلي كان جهاز الأمن أكثر حيادية من الآن و اكثر قرب من المواطن و ان كانت حتى قياداته لها ولاءات سياسية لكنها لا تظهرها بالشكل الذي يحدث الآن.
محمد: فعلا، كثير من اليمنيين فقدوا الثقة بمؤسسة الشرطة نتيجة للانتهاكات القانونية من قبل بعض افراد الشرطه و عدم قدرة الدولة من فصل المؤسسة عن الأحزاب السياسية؛ ولكن في آخر استبيان لعام ٢٠١٩؛ الصادر من للمركز اليمني لقياس الرأي العام أظهرت النتائج أن تقريبا 88% من اليمنيين يريدون تواجد اكثر لرجال الأمن في مناطقهم. أيضا حوالي ٥٠٪ يجدون أن الشرطة قادرة على معالجة ومنع القضايا المختلفة في مجتمعاتهم. من خبرتك استاذ كمال؛ مامدى صحة هذه الآراء و لماذا ما زال هناك الكثير من الثقة بالشرطة رغم القصور والانتهاكات القانونية؟
كمال: التطلع للشرطة هو جزء من تطلع الناس وتعلقهم بالدولة عموما، في ظل الانقسامات الحادة والتشظي الحاصل، وفي ظل الجماعات المنفلتة والسلاح المنتشر يرى الناس أن الشرطة هي الوجهة الأكثر أمنا، بالذات في المدن حيث يجد الفرد نفسه عاريا أمام الجماعات المسلحة والفوضى الحاصلة، لا تحميه جماعات أولية كالقبيلة في الريف مثلا
ربما لا تعكس هذه النتيجة ما هو قائم فعلا، بقدر ما هي انعكاس لما يأمل الناس ويتطلعون اليه.
محمد: تتفق المقابلات مع هذه النظرية حيث كان رد مدراء مراكز الشرطة المختلفة بأن الناس ما زالوا يستخدموا خدمة الشرطة بشكل كبير والدليل عدد القضايا الموجودة.
من منظور آخر؛ هذه الثقة بين الشرطة و المجتمع نتيجة ان كادر مراكز الشرطة المحلية ؛الذي يقابله أفراد المجتمع بشكل يومي؛ عادة مكون من رجال شرطة يعيشون في المنطقة نفسها. أي أنهم من أهل سكان المنطقة ولهذا يوجد علاقة فريدة من نوعها بين رجل الامن وأفراد المجتمع.
رشا: من الطبيعي أن يشعر الناس بالأمان في ظل تواجد الشرطة في أماكن عملها أو في الشارع لأجل التأمين،خصوصا الان أثناء الحرب ، ف وجود الشرطة يشعر المواطن أن هناك دولة ولو كان هذا الوجود شكلي ، إضافة لتزايد حالة الإعتداء على المواطنين من قبل المسلحين المتجولين سوى كانوا ينتموا للجيش أو ضمن الجماعات المسلحة خارج الجيش فتواجد أفراد الشرطة بزيهم الرسمي يضفي راحة نفسية للمواطنين.
محمد: بعد ما اتكلمنا عن الوضع الراهن لمؤسسة الشرطة وعلاقتها بالمجتمع؛ لو نتكلم الآن بشكل أعمق عن التحديات التي يواجهها القطاع لأنه كما هو معروف، منذ بداية الحرب ومؤسسة الشرطة تواجه تحديات اقتصادية؛ وسياسية و ايضا انفلات الأمن وعنف من ڤبل جماعات مسلحة. و هذه الظواهر تعتمد على قرب أو بعد المركز من خط الصراع وقوات الأمر الواقع الموجودة في المنطقة. استاذ كمال؛ ما هي أبرز التحديات الموجودة للقطاع؟
كمال: قطاع الشرطة يواجه تحديات مختلفة، أهمها:
- انقطاع المرتبات وضآلة الميزانيات التشغيلية المقرة من الوزارة، كما أشرنا سابقا لم يستلم أفراد الشرطة مرتباتهم منذ 9 أشهر، لا تتوقع من الشرطي أن يؤدي وظيفته بالشكل المثالي في ظل هذا الوضع، كما أن الميزانيات التشغيلية ضئيلة للغاية وتسلم على فترات، كل ثلاثة أشهر مثلا، وهذا الأمر ينعكس على التجهيزات اللوجستية، وتوفر الخدمات في مقرات الشرطة، مدير قسم شرطة قال لنا أنهم يقتطعون من مرتبات الأفراد عندما تسلم لتأمين مبلغ لعاملة التنظيف في المبنى، خدمات الكهرباء والمياه تؤمن من قبل تجار ورجال أعمال، قد يكون لهذا الأمر وجه إيجابي، لكن يجب أن لا نغفل أن رجال الأعمال الذين يقدمون للشرطة هذه الخدمات ينتظرون مقابلها خدمات من نوع آخر
- ضعف التسليح أشرنا سابقا الى أن نسبة ضئيلة جدا من أفراد الشرطة مسلحون، خصوصا في محافظات الشرعية، ولك أن تتخيل كيف يمكن لرجل الشرطة أن يمارس مهامه في مواجهة جماعات السلاح غير الرسمية، وفي مواجهة السلاح المنتشر في الشوارع، من المفارقة أن الدولة التي يجب أن يكون السلاح محصورا بها، تفتقر الى السلاح فيما يتوفر لجماعات أخرى غير رسمية
- تعاني الشرطة أيضا من نقص كبير للغاية في التسليح، بعض أقسام الشرطة يتجاوز عدد أفرادها 30 فردا، ولا يمتلك السلاح الا 3 أو 4 أفراد فقط
محمد: اتفق معك استاذ كمال، عدة مصادر وثقت عدم نزول رواتب وميزانيات لمؤسسات الشرطة وعدم توفر التسليح لمواجهة الجماعات المسلحة، طيب، ماذا عن التحديات السياسية؟
كمال:
- التدخلات السياسية، شهدت الشرطة حركة تعيينات واسعة في السنوات الأخيرة، وانخرط في صفوفها الكثير من الأفراد، العامل السياسي كان وراء حركة التعيينات والتوظيف هذه الى حد كبير..
- وجود قوات الجيش داخل المدن أو بالقرب منها يخلق الكثير من المشكلات أمام الشرطة، قيادات شرطية قالت لنا أن كثير من مرتكبي الجرائم هم أفراد في الألوية العسكرية، ولا تتمكن الشرطة من ملاحقتهم لإحتمائهم بقادة ألويتهم
محمد: وهناك مصادر كثيرة أشارت الى هذه النقطة المهمة وكيف ان بعض افراد الجيش تسببوا في انتهاكات للقانون وإيقاف عمل الشرطة مما أدى في بعض الاحيان الى تصادم بين أفراد الجيش والشرطة. ولكن السؤال هو لماذا تحصل مثل هذه الاصطدامات؟ وكيف كان الوضع قبل الحرب؟
كمال: قبل الحرب لم تكن الألوية العسكرية بالقرب من المدن كما هو الحال الان، لم يكن أفراد الجيش يتجولون بأسلحتهم في الشوارع العامة كما هو الحاصل الان
أيضا هناك كثيرون انخرطوا في صفوف المقاومة الشعبية، وتم استيعابهم في الألوية العسكرية، لم يكونوا أصلا عسكريين في السابق، هؤلاء جزء مهم من المشكلة، ومن الاختلالات التي تتحدث عنها الشرطة.
محمد: استاذه رشا؛ لو ممكن تكلمينا عن العلاقة بين التحديات السياسية والاقتصادية؟ وهل تسببت التحديات السياسية في تفاقم التحديات الاقتصادية أم العكس؟
رشا: التحديات السياسية و الإقتصادية شكلت عائق كبير في طريق عمل الأمن و الشرطة في المناطق المحررة و ذلك من خلال التدخل المباشر من قبل قيادات حزبية سياسية في عملها و من خلال التعيينات لقياداتها ،عطفا على ذلك أي قائد يتبع حزب معين يكون الدعم المالي له و لقطاعه أكبر من غيره من المراكز ،بالإضافة إلى إنقطاع الرواتب و عدم نزولها بشكل مستمر ضاعف من حدة المشكلة في دوام أفراد الشرطة بشكل مستمر في مراكزهم و حد من قدرة تحركهم خصوصا مع عدم توفر مركبات خاصة بالأمن في بعض مراكز الشرطة.
محمد: نقدر نقول انه رغم كل التحديات الذي يواجه قطاع الشرطة لكنه ما زال مستمر بالعمل و له دور كبير وفعال في المجتمع. بالاضافة لهذا، المجتمع المحلي مثل المدنيين و القطاع الخاص ساهموا بعدة طرق لمساندة القطاع. على سبيل المثال، القطاع الخاص للكهرباء ، وفر خدمة الكهرباء لعدة مراكز للشرطة دون اي مقابل مادي.
وهناك ايضا من وفر مباني مؤقتة بدلا عن المراكز التي دمرت أثناء الحرب. وقد اظهرت استبيانات من سنه ٢٠١٧و ٢٠١٩ أن اليمنيين يرون أن معاشات الشرطة قليلة و لو ارتفعت سيقلل من حالات الفساد في القطاع. فكثير من المدنيين قاموا بإعارة سياراتهم وفي بعض الاحيان دفع مبالغ مالية لتغطية تكلفة المواصلات و المصاريف اليومية لأفراد الشرطة المتولين قضيتهم؛ و رغم الخطر الموجود من هذه العلاقات..أكد مدراء مراكز الشرطة أن هذه المساعدات من قبل الناس تطوعية عدا بعض الحالات التي يحصل فيها انتهاك مباشر من قبل رجال الشرطة (و هي نادرة و ظاهره متوارثة من النظام السابق).
كمال: لا يمكن التعويل بالطبع على دور المجتمع في مساعدة الشرطة على تجاوز التحديات التي أشرنا اليها، وخصوصا فيما يتعلق بالخدمات والأمور المادية، صحيح أن الجهود الحالية قد تعكس توق المجتمع الى وجود قطاع شرطة قوي وفاعل، لكن لا أتوقع إستمرار هذا الوضع، كما أنه ليس من الجيد استمراره، يجب ألا تتحول الشرطة الى رهينة بيد من يقدم لها المساعدات.
محمد: واخيرا نقدم بعض التوصيات و هي:
لا يمكن أن يبني قطاع شرطة فعال إلا بتدخل المجتمع نفسه. علاقة رجال الأمن الفريدة مع المجتمع الذي يسكن فيه ربما تكون المفتاح لمشاركة المجتمع المدني المحلي في قطاع الأمن.
كمال: دفع رواتب أفراد الشرطة بإنتظام، ليس هذا فقط، بل رفع هذه الرواتب بما يتناسب مع الوضع المعيشي الحالية وزيادة مبالغ الميزانيات التشغيلية وصرفها بإنتظام.
رشا: توفير غطاء سياسي لقطاع الشرطة، أو بمعنى آخر وقف التدخلات السياسية في عمل الشرطة وتنظيم العلاقة بين الجيش والشرطة
رشا: شكرا لكم على هذا النقاش الثري في الحقيقة أنا سعيدة أن يسلط الضوء على مثل هكذا مواضيع نادر ان يتم تسليط الضوء عليها خصوصا في هذا الوضع الأمن السيء الذي تعيشه البلد
محمد: شكراً لكم استاذ كمال و أستاذة رشا على هذا النقاش وانا واثق انه باستمرارية قطاع الشرطة وتضامن كل الأفراد المجتمع بنتمكن من بناء دولة مدنية حديثة وآمنة للجميع.