مع استمرار العالم في مواجهة آثار تغيُّر المناخ، يجد اليمن نفسه في وضعٍ هشٍّ على نحوٍ خاصٍّ، إذ تواجه البلاد بالفعل العديد من التحديات، بما في ذلك الحرب الأهلية التي تدخَّلت فيها أطراف دولية، والأزمة الاقتصادية الشديدة. ومن المرجح أن يؤدي تغيُّر المناخ إلى تفاقم المشكلات الحالية، مع الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف، فضلًا عن ارتفاع مستويات سطح البحر، التي تحدث بالفعل في بعض أجزاء البلاد. يركز هذا التقرير على منطقتين في اليمن تأثَّرتا بشكلٍ خاصٍّ بالتغيُّر المناخي، ومن المحتمل أن تتعرَّضا لعواقب أخرى في المستقبل: مديرية حجر بمحافظة حضرموت، ومديرية التواهي بمحافظة عدن. ومن خلال سلسلة من المقابلات والحوارات المتعمقة مع أصحاب الشأن المحليين، يسعى هذا التقرير إلى تحديد الآثار المباشرة وغير المباشرة لتغير المناخ في المديريتين، وكذلك لتسليط الضوء على الحلول والإستراتيجيات المحتملة للتخفيف والتكيُّف.
تشير نتائج التقرير إلى أن تغيُّر المناخ له بالفعل تأثيرٌ سلبي في مناطق البحث، مع بعض الآثار التي تتضمن قلة توافر المياه وانخفاض جودتها، وانخفاض غلة المحاصيل وحصيلة صيد الأسماك، وزيادة الأمراض المنقولة عن طريق النواقل وانعدام الأمن الغذائي والبطالة. علاوة على ذلك، من المرجح أن تتفاقم هذه الآثار بمرور الوقت، حيث تصبح تأثيرات تغيُّر المناخ أكثر وضوحًا، وتتضاعف بفعل مجموعة من العوامل الأخرى مثل الفقر والصراع وتفكك هياكل الإدارة البيئية. في الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن إثبات وجود صلة قوية بين تغيُّر المناخ والنزاع المسلح كانت قضية خلافية بين العلماء وصانعي السياسات سنواتٍ عديدة، فقد تحوَّل الحديث إلى التركيز على كيف يمكن أن يكون تغيُّر المناخ «عاملًا يضاعف من التهديد»، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات الموجودة مسبقًا، ويجعل المجتمعات أكثر عرضة للنزاعات. في تقرير صادر عام 2014 عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ التابعة للأمم المتحدة، عبَّر التقرير عن هذا جيدًا، حيث يذكر: «إن الأدلة على تأثير تغيُّر المناخ وتقلُّباته في العنف موضع خلاف، وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق كبير حول السببية المباشرة، فإن انخفاض دخل الفرد والانكماش الاقتصادي وعدم اتساق مؤسسات الدولة كلها ترتبط بحدوث العنف».
“ارتفاع درجات الحرارة وتراجع الموارد: آثار تغيُّر المناخ في المجتمعات الزراعية والساحلية باليمن” لـ هديل الموفق
في سياق قطاع الزراعة بمديرية حجر، شكَّلت الفيضانات والانهيارات الأرضية مصدرَ قلقٍ كبير، تسبَّب في تدمير البنية التحتية للمياه والأراضي الزراعية والممتلكات. كما أثَّرت أنماط الطقس المتغيرة مثل ارتفاع درجات الحرارة في صحة وإنتاجية المحاصيل والماشية، مما أدى إلى الانخفاض في مدى توفُّر الغذاء وجودته. على سبيل المثال، أدَّت الفيضانات الأخيرة في عامي 2020 و2021 إلى تدمير الآلاف من أشجار النخيل، مما قلَّل من إنتاج التمور بأكثر من 60 في المائة، وكان لهذا تأثيرٌ مباشرٌ في سُبل العيش المحلية للأشخاص الذين يعتمدون في دخلهم بشكلٍ كبيرٍ على الزراعة وتربية الماشية. ومع ارتفاع مستويات الفقر المبلَّغ عنها بين السكان المحليين، تتفاقم الخسائر المرتبطة بالمناخ بسبب عدم القدرة على التأقلم والتكيُّف بالإضافة إلى ضعف وبطء استجابة الحكومة والاستجابة الدولية. ونتيجة ذلك، صارت الهجرة الداخلية للمزارعين إلى أجزاء أخرى من البلاد أمرًا متكررًا بسبب الافتقار إلى هياكل المرونة القوية.
في المقابل، تشهد مديرية التواهي الساحلية مجموعة مختلفة من التحديات المرتبطة بالمناخ مدفوعة بارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة ملوحة مياه الشرب، وتدهور النظم البيئية البحرية بسبب تدمير الشعاب المرجانية وكذلك تآكل السواحل. وقد تأثَّرت بشدة صناعة صيد الأسماك المحلية، التي تُعَد أحد المصادر الرئيسية للدخل للمجتمعات الساحلية، من جرَّاء تغيُّر المناخ، مع الإبلاغ عن انخفاض في حصيلة صيد الأسماك، وما يستتبعه ذلك من ارتفاعٍ في أسعار المأكولات البحرية. علاوة على ذلك، تسبَّبت حالات الفيضانات المفاجئة المتزايدة في تدمير البنية التحتية والممتلكات والمزيد من تشريد السكان المحليين. ونظرًا إلى طبيعتها الحضرية، تواجه المديرية أيضًا ضغوطًا متزايدة من النمو السكاني السريع إلى جانب عدم كفاية أنظمة الصرف الصحي وإدارة النفايات. ويُعَد سكان المنازل العشوائية على المنحدرات الجبلية معرضين بشكلٍ خاصٍّ لنقص المياه، كما أنهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة بالنواقل مثل حمى الضنك والملاريا، بسبب برك المياه الراكدة الموجودة عادة في مناطقهم.
وبناءً على هذه النتائج، يقدِّم هذا التقرير سلسلة من توصيات السياسات التي يمكن أن تزوِّد أصحاب الشأن المحليين في كلا المديريتين بالأدوات اللازمة للتعامل مع المناخ المتغير والتكيف معه.
كتبت هذا التقرير، «ارتفاع درجات الحرارة وتراجع الموارد: آثار تغيُّر المناخ في المجتمعات الزراعية والساحلية في اليمن»، هديل الموفق، وهي زميلة باحثة في المركز اليمني للسياسات، وقد ساهم الباحثون الميدانيون في المركز اليمني لقياس الرأي العام في البحث الذي أُجري لهذه الدراسة.
تود الكاتبة التوجه بالشكر إلى مرايكا ترانسفيلد على توجيهاتها القيمة في وضع تصور للأفكار ومراجعة التقرير، وإلى جاتندر بادا لتحرير التقرير، وأحمد الشرجبي لمشاركة أفكاره وتقديم الدعم اللوجستي.
وفَّرت مؤسسة BOSCH التمويل للبحث ونشر التقرير.