في الوقت الذي يواصل الحوثيون فيه هجومهم على مأرب بعد أن سيطروا على ما يقرب من أربع مديريات في المحافظة منذ سبتمبر 2021، يتزايد قلق المراقبين خوفاً من سقوط الحكومة المعترف بها دولياً بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي في مدينة مأرب الصحراوية التي تقع شرق صنعاء. في الواقع، تشير تقارير1 إلى أن سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً على الأرض تتضاءل. ومع ذلك، لا تتعرض الحكومة للخسائر أمام الحوثيين في الشمال فحسب، ولكنها تتعرض أيضاً للتهديد على عدة جبهات أخرى في مختلف أنحاء البلاد. إذ يقوم الحلفاء الاسميون للحكومة في الجنوب (المجلس الانتقالي الجنوبي) مع داعميه -الإمارات العربية المتحدة- ببناء قدرات وأعداد القوات علاوة على القيام بنشر الوحدات العسكرية متسببين بالتوتر بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي التي تسعى لانفصال الجنوب والحكومة التي تتعرض للإنهاك بفعل كل هذا. بينما يقوم طارق صالح ابن شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح وقائد قوات حراس الجمهورية بالاستعداد للهجوم على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً في الساحل الغربي، فيما تضغط قوات النخبة الحضرمية على قوات الحكومة من الشرق.
إن هذا الوضع المعقد هو نتاج لتضارب المصالح بين أعضاء التحالف العربي في حرب اليمن. فقد كان التدخل الأولي للتحالف العربي في مارس 2015 تحت القيادة السعودية يهدف إلى إعادة حكومة هادي إلى صنعاء والدفع بالحوثيين إلى مسقط رأسهم في محافظة صعدة. لكن عوضاً من ذلك، فقد أصبح الحوثيون أقوى من أي وقت مضى.
على جانب آخر، تسعى الإمارات العربية المتحدة -وهي أيضًا جزء من التحالف- بلا هوادة إلى تحقيق مصالحها الخاصة في جنوب اليمن بمساعدة حلفائها المسلحين، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي.
وقد أدى ذلك إلى جعل الحكومة موشكة على الهزيمة من قبل الجماعات المسلحة المدعومة من الإمارات في المناطق التي يفترض أنها تسيطر عليها. في الوقت نفسه، فقد أصبح السعوديون مترددين بشكل متزايد في مواصلة دعمهم للحكومة بعد فشل محاولاتهم لإعادة قوات الحكومة والمجلس الانتقالي إلى جبهة موحدة ضد الحوثيين. في الحقيقة، فأن اتفاق الرياض الذي توسط فيه السعوديون في أكتوبر 2019 لرأب الصدع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة بعد تصاعد العنف خلال صيف عام 2019 أدى لزيادة حدة الانقسام بدلاً من الحد منه. إن هذا التراجع في الدعم السعودي للحكومة المعترف بها دوليًا، بينما تستمر الجماعات المسلحة الأخرى في تلقي الدعم من الحلفاء الإقليميين، يضع الحكومة في موقف ضعف.
في هذا السياق، يبدو أن الحكومة المعترف بها دوليًا تلفظ أنفاسها الأخيرة. وفي حين أن أعضاءً من التحالف العربي يقومون بلا شك بحفر قبر الحكومة، إلا أن الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية في الحكومة المعترف بها دولياً هو الذي ألقى بها فيه. فالاحتجاجات في تعز وعدن والمكلا دلالة على الحالة المزرية التي يعيشها الشعب اليمني ويتظاهر ضدها2، فمع انهيار الخدمات في جميع أنحاء البلاد وتبديد الإيرادات الحكومية في الخارج من قبل النخبة السياسية في البلاد، هناك أمل ضئيل بين اليمنيين بأن الحياة يمكن أن تتحسن. لقد غابت الحكومة عن اليمن، وأضحى المسئولون وأعضاء مجلس الوزراء أكثر قلقًا بشأن آفاق حياتهم المهنية المستقبلية من البلد الذي من المفترض أن يخدموه. وما لم تتخلص الحكومة من الفساد الجماعي وسوء الإدارة والفوضى الإدارية داخل مؤسساتها المنشأة حديثًا، فمن المرجح أن ينتهي وجودها في اليمن.
لقد أصبح اتفاق الرياض غير ذا صلة
لقد كانت التطورات الحالية في اليمن بمثابة صدمة بالنسبة إلى أولئك الذين توقعوا أن يصلح اتفاق الرياض الذي تم توقيعه في أكتوبر 2019 الانقسامات داخل التحالف المناهض للحوثيين تحت قيادة الحكومة المعترف بها دوليا. لقد تم التوسط والتفاوض على الاتفاق من قبل المملكة العربية السعودية بعد أن طرد المجلس الانتقالي الجنوبي الحكومة المعترف بها دوليًا من عدن في أغسطس 2019 في سعيه للسيطرة على المؤسسات والأراضي والدفع بمشروع استقلال الجنوب. وعوضاً عن الجمع بين الطرفين، فقد أدت الاتفاقية إلى إضعاف موقف الحكومة بسبب تصميمها الخاطئ وتنفيذها بشكل جزئي.
واليوم أصبحت المملكة العربية السعودية أقل نشاطاً في متابعة تنفيذ هذا الاتفاق، وهذا لا يشير فقط إلى عدم اهتمام المملكة العربية السعودية بالحفاظ على الحكومة ولكنه أيضًا يترك قوات هذه الأخيرة في حالة من الارتباك.
وقد نص اتفاق الرياض على أن يتم ربط الهياكل السياسية والعسكرية في ظل القيادات من خلال آليات مؤسسية. ولهذه الغاية، فقد تم في الثامن عشر من ديسمبر 2020 تشكيل حكومة مشتركة تتألف من كل من الحكومة المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي، بينما كانت التغييرات ضمن موظفي قطاع الأمن تهدف إلى ضمان أن التسلسل الهرمي الأمني الموحد، كما هو موجود على الورق، سيتم تحقيقه أيضًا في الواقع. وقد شمل ذلك، على سبيل المثال، مدير الأمن الجديد، العميد مطهر الشعيبي، المعين في 29 ديسمبر 2020 من قبل الحكومة في محاولة لاستعادة السيطرة على شرطة عدن. لقد قلل مهندسو اتفاق الرياض من شأن دافعية المجلس الانتقالي الجنوبي للاستقلال وقد أملوا في أن يتم استرضاء المجلس بالمشاركة المباشرة في الحكومة المعترف بها دولياً. بدلاً من ذلك، وكما كانت الاستراتيجية في الماضي، فقد استخدم المجلس الانتقالي وصوله إلى المؤسسات لا لكي يصبح جزءًا من الدولة، ولكن لاختطافها من أجل مشروعه الخاص. وقد أظهر هذا أن المجلس الانتقالي الجنوبي لن يتخلى عن قطاع الأمن في عدن أبداً.
استخدم السعوديون الرواتب المخصصة للقوات العسكرية لتحفيز قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على التوحد ضمن هيكل قوات الحكومة. فبعد توقيع اتفاق الرياض، تم تضمين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في كشوف رواتب الحكومة الممولة من قبل السعودية، عوضاً أن تكون ممولة من الإمارات. ولأن هذا لم يؤد إلى اندماج القوات، فقد قام السعوديون بتعليق رواتب قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بين ديسمبر 2019 ومارس 2020، مطالبين الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي بتسليم الأسلحة التي استولى عليها في عدن بعد أن تم طرد قوات الحكومة المعترف بها دولياً من المدينة3.
ونظرًا لأن بعض قادة المجلس الانتقالي الجنوبي ظلوا مدرجين في كشوف رواتب الإمارات العربية المتحدة، فقد تمكنوا من الاحتفاظ ببعض المساحة للمناورة خارج التسلسل الهرمي للحكومة المعترف بها دولياً، وبالتالي استمروا في البقاء خارج هيكلها، وقد اتهمتهم الحكومة بعرقلة انتقالها إلى عدن وكذلك عرقلة عمل قوات وزارة الداخلية في لحج وعدن وأبين.
من ناحية أخرى، اتهم المجلس الانتقالي الجنوبي وزراء الحكومة بمغادرة عدن بقصد تعطيل عمل المؤسسات. كما اشتكى المجلس الانتقالي الجنوبي من قرارات وتعيينات أحادية الجانب، بالإضافة إلى تصريحات استفزازية تم الإدلاء بها نيابة عن وزراء الحكومة المعترف بها دولياً. وعلى الرغم من الضغط المتزايد من السعوديين، لم يبذل المجلس الانتقالي الجنوبي ولا الحكومة جهودًا جادة لتنفيذ الاتفاق. ومع هذا الجمود، وخسارة قوات الحكومة الأرض لصالح الحوثيين على الخطوط الأمامية الشمالية المتاخمة للمملكة العربية السعودية، يبدو أن قيمة الحكومة كشريك استراتيجي في اليمن تتناقص في أعين السعوديين. وبهذا، ارتأى السعوديون أن كشوف رواتب القوات الحكومية أصبحت تشكل عبئًا عليهم.4
توقفت المملكة العربية السعودية بشكل تدريجي عن دفع معظم رواتب قوات الحكومة. وبجانب شعورها بالإحباط من قوات الحكومة، فقد كانت هناك أيضًا شبهات بالفساد حيث بدا أن أعداد القوات في كشوف المرتبات زائفة، وهي ظاهرة شائعة في ماضي اليمن القريب. وتشير التقديرات إلى أن 70 في المائة من أفراد القوات المذكورة على كشوف رواتب وزارة دفاع الحكومة وهميون5.
وقد عُلقت أجور وحدات عسكرية كقوات المنطقة العسكرية الثالثة والسابعة في الجيش في عام 2016 و2017 على التوالي، وعلقت رواتب الجيش بشكل كامل بحلول مارس عام 2020. وفي الواقع، فقد تلقى أفراد الجيش راتباً واحداً أو اثنين فقط هذا العام.
وبينما علق السعوديون المستحقات المالية المخصصة للإعاشة لقوات مأرب العسكرية، استمروا في دفع رواتب القوات في المناطق الحدودية وكذا القوات في الساحل الغربي. وقد أدى هذا النقص في الدعم إلى إضعاف الحكومة بشكل كبير، وأصبحت تفتقر إلى المصداقية لمواجهة الحوثيين. ففي أوائل عام 2020، كان الحوثيون قادرين على التقدم وتحقيق مكاسب حول صنعاء، وعلى مدار العام التالي استولوا على أربع مديريات في محافظة مأرب، وكذلك محافظة الجوف إلى الشمال منها. في نفس الوقت، انسحبت القوات المدعومة من السعودية من هذه المواقع، لتفادي المعارك المباشرة مع الحوثيين6، حسبما أفادت التقارير. ولم تسقط مأرب بالكامل بأيدي الحوثيين إلا بفضل القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية والمسلحين من قبائل مأرب.
الحكومة اليمنية تخسر أراضيها
منذ بداية عام 2020، تراجعت قوات الحكومة بشكل متزايد أمام الجماعات المسلحة المتنافسة. إن وجود قوات الحكومة اليمنية اليوم في هذا الموقف الضعيف على الأرض هو نتيجة الانقسامات داخل التحالف العربي: أي الصدع بين السعودية والإمارات.
لقد أدت المقاربات المتناقضة لهذه الجهات الفاعلة الرئيسية، إلى جانب المصالح المتضاربة للجهات الفاعلة المحلية، إلى تفاقم تجزئة قاعدة الدعم العسكري لقوات الحكومة طيلة سنوات الصراع. وبالتالي، ليس الحوثيون وحدهم من يحاربون للاستيلاء على الأراضي من قوات الحكومة (على سبيل المثال في الجوف ومأرب) ولكن أيضًا الجماعات المسلحة التي يدعمها أعضاء في التحالف العربي التي تستغل وتهاجم قوات الحكومة المعترف بها دولياً. وتشمل هذه الجماعات بالإضافة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، قوات حراس الجمهورية على الساحل الغربي وقوات النخبة الحضرمية والشبوانية. وتحاصر هذه الجماعات الغير تابعة للدولة القوات الحكومية وتهدد بخنقها على الأرض.
وما لم تعمل الحكومة على تغيير المد العسكري لصالحها وتعمل على استخدامه لكسر الحصار في مأرب واسترداد خسائرها في البيضاء وشبوة، فإن معاقلها الرئيسية في مأرب وحضرموت ستقع في أيدي خصومها.
لقد استمرت الإمارات في دعم وتعزيز قواتها في شرق اليمن على الرغم من انسحابها الرسمي من الصراع في عام 2019. ففي جزيرة سقطرى، التي استولت عليها قوات تابعة للإمارات من قيادة الحكومة اليمنية في صيف عام 20207 حيث تم تدريب قوات للمجلس الانتقالي الجنوبي هناك على يد الجيش الإماراتي. كما أعادت الإمارات تدريب قوات النخبة الشبوانية، وهي القوات التي تم تشكيلها في عام 2017 لمحاربة القاعدة والتي أصبحت فيما بعد تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
بعد اشتباكات بين قوات المجلس الانتقالي والحكومة في عام 2019، تم طرد معظم قوات النخبة الشبوانية من المحافظة. ولكن تم إعادة نشر قوات النخبة الشبوانية بدعم إماراتي في معسكر العلم وموقع بلحاف للغاز فيما بدا وأنه محاولة للسيطرة من قبل الإمارات على محافظة شبوة من الحكومة وتم إحباطه من قبل قوات هذه الأخيرة في أكتوبر 2021. وبنفس الطريقة، دعمت الإمارات قوات النخبة الحضرمية في معسكر بارشيد بالمكلا.
ويدل رفع الجاهزية القتالية لقيادة المنطقة العسكرية الأولى للحكومة في وادي حضرموت، على وجود توقعات بأن قوات النخبة الحضرمية ستتجه نحو وادي حضرموت، الذي لا يزال حتى اليوم في أيدي قوات الحكومة. وفي الغرب، تتهجم القوات المدعومة من الإمارات بقيادة طارق صالح، قائد قوات حراس الجمهورية، على مدينة تعز، أهم معقل للحكومة المعترف بها دولياً في غرب اليمن. ومع ذلك، يُشار إلى أن صالح أعرب عن رغبته في الانضمام إلى المعارك ضد الحوثيين في مأرب إلى جانب القوات الحكومية.
كان توغل الحوثيين في سبتمبر 2021 في المناطق الجنوبية غير متوقع. لا سيما دخولهم دون قتال إلى مناطق في شبوة8، في مديريات يحظى المجلس الانتقالي فيها بدعم كبير9. وقد استطاع الحوثيون من موقعهم في شبوة قطع الطريق بين شبوة ومأرب ودخول منطقة حريب وفرض حصار على مأرب من الجنوب، مما شكل ميزة إستراتيجية للحوثيين لاكتساب القوة في مأرب. كما يحاول الحوثيون السيطرة على الطريق الذي يربط بين محافظتي أبين وشبوة الجنوبيتين.
فيما يبدو أن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المهيمنة في المنطقة، والموجودة اسمياً في معسكر الحكومة والتي من المتوقع أن تدافع عن هذه المنطقة من الحوثيين، تقف على أهبة الاستعداد، وتتحين الفرصة لضرب الحكومة بدلاً من قتال الحوثيين.
وقد أوضح قائد عسكري في الحكومة في مقابلة صحفية كيف كان بإمكان المجلس الانتقالي الجنوبي دعم جيش الحكومة المعترف بها دولياً، مشيرًا إلى أن الدعم اللوجستي للمجلس الانتقالي الجنوبي كان مطلوبًا بشكل خاص10، ومع ذلك لم يتم تقديم الدعم. وقد أثارت تحركات القوات على الأرض الشكوك في أن القوات المدعومة من الإمارات والحوثيين يبذلون جهودًا متضافرة لتفريق قوات الحكومة من أجل إضعافها في وقت واحد وعلى جبهات متعددة.
في البيضاء على سبيل المثال، تيسر توغل الحوثيين بانسحاب قوات العمالقة المدعوم إماراتياً من مناطق في البيضاء، مما سمح للحوثيين باقتحامها دون مقاومة، فضلاً عن منع أي تعزيزات لقوات المقاومة في البيضاء من قبل قوات الحزام الأمني بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي في يافع. ودافع تقرير إخباري في صحيفة “الأيام” المقربة من المجلس الانتقالي الجنوبي عن موقف المجلس الانتقالي في معارك البيضاء، مشيرًا إلى أنه ليس من مسؤولية المجلس الانتقالي تحرير مناطق لا تعتبر جزءًا من اليمن الجنوبي من الحوثيين. وقد سهّل دخول الحوثيين إلى البيضاء التقدم نحو شبوة وعزز المواقع على طول محافظة أبين المجاورة، حيث تتمركز قوات الحكومة المعترف بها دولياً.
الفساد الجماعي والاقتصاد المتدهور يؤدي إلى تقويض الحكومة
في حين أن التحالف العربي يقوم بتدمير الحكومة عسكرياً، فإن طريقة إدارة الحكومة المدمرة للملف الاقتصادي تدفعها نحو نقطة حرجة. فالكارثة الاقتصادية، بما في ذلك انهيار العملة وتدهور الخدمات، هي أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة اليوم.
منذ يونيو 2020، كانت هناك احتجاجات واسعة النطاق ضد السلطات في المدن الخاضعة اسمياً لسيطرة الحكومة، مثل المكلا وعدن وتعز، مما يدل على المأساة التي تتكشف ملامحها حاليًا في جميع أنحاء اليمن.
وتنضب أموال الخدمات العامة بسبب الانخفاض الكبير في الإيرادات الحكومية، وانهيار العملة المحلية، وانخفاض الدعم الاقتصادي السعودي، وتراكم فواتير هائلة لأعضاء الحكومة أثناء وجودهم في المنفى، علاوة على الفساد الجماعي، وسوء الإدارة الخطير للبنك المركزي. وتدفع انقطاعات الكهرباء الممتدة وارتفاع أسعار الغذاء والماء اليمنيين في جميع أنحاء الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة -المعترف بها دولياً- إلى حافة الهاوية.
كادت صادرات النفط اليمنية أن تنهار مع بداية الحرب. بالنظر إلى أن تصدير النفط الخام يشكل 80 % من عائدات الحكومة، فقد أدى الانخفاض الحاد في تجارة النفط إلى القضاء على أساس الاقتصاد اليمني. ويجري تصدير النفط القليل الذي لا يزال متداولاً من حضرموت. فيما تودع الإيرادات المتأتية من الصادرات الحضرمية في البنك المركزي وتهدف إلى إنفاقها على رواتب وخدمات القطاع العام. ومع ذلك، فإن الإيرادات التي يتم حشدها في المحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحكومة، بما في ذلك من الضرائب أو الجمارك أو الخدمات العامة، لا يتم دفعها إلى البنك المركزي، حيث ترفض شبوة ومأرب11 والمهرة12]]، على وجه التحديد، إيداع الإيرادات في البنك المركزي، بحجة سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، حيث يقع مقر البنك المركزي13.
وهكذا تعتمد الحكومة على المنح التي تقدمها الدول المانحة، ولا سيما المملكة العربية السعودية. وقد تعهدت المملكة بإيداع ملياري دولار14 في البنك المركزي لتمويل واردات الوقود ورواتب القطاع العام.
ودعمت منحة الوقود السعودية والتي بلغت 4 مليارات دولار15 بشكل خاص قطاع الكهرباء في المناطق الخاضعة للحكومة. وفي حين قدم السعوديون الدفعة الخامسة من منحة الوقود إلى البنك المركزي في نوفمبر2021، فإن دعمهم المستمر للاقتصاد اليمني مرهون الآن بإصلاح البنك المركزي.
ويتحمل البنك المركزي اليمني المسئولية عن جزء كبير من الأزمة الاقتصادية، حيث ساهم سوء إدارة البنك للعملة وعدم قدرته على السيطرة على السوق المصرفية في المناطق المحررة في هذا الانهيار الكبير في العملة. فقد كان هناك العديد من التعيينات في منصب محافظ البنك المركزي بين عامي 2017 و2020، وقد تمت هذه التعيينات دون إيلاء الاعتبار اللازم للواقع السياسي. ويبين تقرير قدمه خبراء دوليون إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بشأن الفساد وغسيل الأموال، والذي ذكر قيادات في البنك المركزي قبل أن يتم تعديله، أن هناك أيضًا اختلالات في المركز المالي للبنك. وهذا ما أكدته تقارير محلية16 أخرى عن وجود عجز في بعض حسابات البنك في الخارج – خاصة مع ضعف التمويل المقدم له مع بلوغ الريال اليمني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق- حيث وصل 1500 ريال للدولار الواحد. ويؤثر ذلك على الخدمات الأخرى، مثل توليد الكهرباء وأسعار الوقود والمواد الغذائية.
أنقذوا اقتصاد اليمن وتحلوا بالمسئولية وإلا فإن اليمن سوف ينهار
تبدو الصورة في اليمن قاتمة بشكل متزايد، ليس فقط بالنسبة لقوات الحكومة ولكن أيضًا لجميع اليمنيين الذين يشعرون بأنهم غير ممثلين من قبل سلطات الأمر الواقع الحالية. ومع ذلك، لم يُفقد الأمل بشكل كامل، مع قيام القوات في مدينة مأرب بالمقاومة بقوة ضد الحوثيين، ومع عدم قطع السعوديين لدعمهم بشكل كامل، وجعلهم أي دعم مستقبلي مرهونًا بالإصلاحات. يجب علينا كيمنيين أن نأخذ قشة الأمل الأخيرة هذه وأن ندفع حكومتنا إلى القيام بكل ما هو ممكن للحفاظ على الدولة اليمنية كما هي معترف بها دوليًا.
وهذا يعني أن الحكومة الحالية يجب أن تستمر من خلال تنفيذ إصلاحات اقتصادية وعسكرية حقيقية. ويجب على أعضاء مجلس الوزراء العودة إلى عدن والبدء في العمل من أجل الشعب اليمني بدلاً من مصلحتهم الخاصة.
يتعين على الحكومة تثبيت آليات المساءلة والشفافية لمكافحة الفساد. ويجب أن يتم ذلك بالتعاون مع مجموعات المجتمع المدني المحلية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية، لضمان عدم هيمنة أي جهة فاعلة واحدة على الآليات.
ويتعين على الحكومة بذل جهد لجمع المزيد من الإيرادات عبر أراضيها بالتوازي مع تصدير النفط والغاز أيضًا، من أجل زيادة وتحسين تقديم الخدمات في جميع المجالات ودفع الرواتب الحكومية والعسكرية. وبناءً على هذه الجهود، يجب على الحكومة والمملكة العربية السعودية إعادة تقييم شراكتهما، من أجل تحسين العلاقات ولكي تستعيد الحكومة الدعم اللازم للنجاة من المشاكل الاقتصادية والعسكرية الحالية. ولن يكون أي من هذا ممكناً ما لم تبدأ الإمارات العربية المتحدة العمل نحو تحقيق الأهداف المشتركة للتحالف، والتي تتمثل في حماية الحكومة وإعادة تشكيل حكومة معترف بها دولياً في العاصمة صنعاء.
ولكن نظرًا لسلوك الحكومة والساسة التابعين للحكومة، الذين يواصلون السير على طريق الفساد والاقتتال السياسي الداخلي، فإن احتمالات تمكن الحكومة من تغيير الاتجاه الحالي ضئيلة. إذا فقدت الحكومة حلفاءها، فإن مناطق اليمن المختلفة لا يمكن أن تجتمع من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.
يبدو لوهلة أن الأراضي اليمنية من المحتمل أن يتم تقسيمها بين مجموعات مسلحة متعددة، مع وجود الحوثيين في الشمال والقوات المدعومة من الإمارات في المناطق الجنوبية. ومن المحتمل أن تستمر معارك السيطرة على الأراضي بين هذه الجماعات حتى بعد انهيار قوات الحكومة المعترف بها دولياً. وفي ظل هذه الظروف، فمن المرجح أن تنهار العملة المحلية، وستتوقف الخدمات بالكامل، ولن يتم دفع الرواتب مجدداً، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، والتي يُشار إليها حالياً على أنها الأسوأ في العالم.
ضمن هذا السيناريو، سيتم تشريد مئات الآلاف في مأرب. وهذا يشمل الأشخاص والأسر الذين شردوا ونزحوا بالفعل ولجأوا إلى مأرب. إذ تشير التقديرات إلى أن المحافظة تستضيف حالياً مليون نازح داخلياً. والعديد من الوافدين الجدد من الصحفيين والسياسيين وأعضاء الأحزاب السياسية والناشطين الذين فروا من اضطهاد الحوثيين. وسيؤدي استيلاء الحوثيين على مأرب إلى تعريض حياة هؤلاء الأشخاص للخطر.
وفي مكان آخر، في تعز، سيزيد الصراع على السلطة في المدينة بين القوات المدعومة من الإمارات بقيادة طارق صالح وقوات الحكومة التابعة لحزب الإصلاح من معاناة السكان. وسيتم خنق المدينة المحاصرة بالفعل، مما سيؤدي إلى مزيد من التدهور الإنساني في أكثر محافظات البلد اكتظاظاً بالسكان.
في الوقت نفسه، لن تتمكن المحافظات الجنوبية مثل عدن ولحج من استيعاب النازحين من هذه المناطق. ولا يرتبط ذلك فقط بالوضع الاقتصادي المدمر بالفعل في المناطق الجنوبية ولكن أيضًا، والأهم من ذلك كله، بسبب التمييز ضد المواطنين من المناطق الشمالية من قبل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي17. وقد يؤدي المزيد من زعزعة الاستقرار في حضرموت، في حالة انهيار الحكومة، إلى استعادة القاعدة السيطرة على أراضيها، بعد إخراجها من المكلا في أبريل201618
في غضون ذلك يبحث الحوثيون عن فرص لاستخدام الأزمة الحالية لصالحهم. وبينما تمكنوا إلى حد ما من الحفاظ على استقرار العملة المحلية، يحاول الحوثيون تقديم أنفسهم كقوة أوسع لتحقيق الاستقرار. ويسعى الحوثيون من خلال محاولة السيطرة على مأرب إلى زيادة إمكانية وصولهم إلى موارد النفط والغاز، بالنظر إلى أن الإمدادات المقدمة عبر ميناء الحديدة غير كافية للمناطق التي يسيطرون عليها. وعلى الرغم من أن هذا الهدف يهدد بأزمة طويلة الأمد في الكهرباء والوقود، حيث قد يؤدي هجومهم على مأرب إلى قطع الإمدادات في مناطق سيطرتهم، فإن الحوثيين يمضون قدمًا.
وبعد أن يستولى الحوثيون على مأرب، فمن غير المرجح أن يتوقفوا عند الحدود بين الشمال والجنوب لما قبل عام 1990، بدلاً من ذلك، فإنهم إذا انتصروا بمأرب، فإنهم سيضغطون للاستيلاء على البلاد بأكملها.
يمثل الحوثيون أكثر الأنظمة قمعاً وعنفًا التي شهدها الشعب اليمني في التاريخ الحديث. ولن يجلب الحوثيون الاستقرار ولا أي نوع من الاحترام لحقوق الإنسان أو القانون الدولي. وإذا أراد المجتمع الدولي تجنب هذا السيناريو، فعليه الاستثمار في التعافي الاقتصادي لليمن اليوم وإنشاء آليات حقيقية للمساءلة جنبًا إلى جنب مع الشركاء المحليين.
أحمد الشرجبي مساعد باحث في المركز اليمني للسياسات الذي يقع في برلين ألمانيا، بالإضافة لكونه مساعد برامج في المركز اليمني لقياس الرأي العام، في تعز. وبهذه الكفاءات، يقوم بدعم المركز اليمني للسياسات في تنفيذ المشاريع في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الأمن والمجتمع المدني والسياسة. لدى أحمد خبرة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد سمحت له الشبكات الواسعة من العلاقات التي أنشأها في الإعلام والجيش والمجتمع المدني ومؤسسات الدولة، سواء كناشط في المجتمع المدني في الخيمة الإعلامية بساحة التغيير في صنعاء عام 2011، أو كباحث في المركز اليمني لقياس الرأي العام، بالحصول على معلومات تفصيلية في ديناميكيات الحرب في اليمن. في عام 2010، حصل أحمد على درجة البكالوريوس في هندسة الاتصالات من جامعة صنعاء. يشكر المؤلف آدم بارون على تعليقاته على نسخة سابقة من هذه المقالة.
وزارة الخارجية الألمانية الاتحادية
مرايكا ترانسفيلد
محررو النسخة: جاتيندر بادا
فاطمة صالح (العربية)
أكرم الراسني
- اندبندنت العربية، “لماذا فقدت الشرعية اليمنية المبادرة على الأرض؟”، يوليو2021., https://www.independentarabia.com/node/239556 (تم الدخول للموقع في 22 أكتوبر 2021).
- Al-Jazeera Net, “After 10 year of revolution, Map of Influence and Control in Yemen”, نوفمبر 2021. بعد 10 أعوام على ثورته.. خريطة النفوذ والسيطرة في اليمن | أخبار سياسة | الجزيرة نت (https://aja.me/zbs4v) (تم الدخول للموقع في 2 نوفمبر 2021)
- المشهد اليمني، “بعد منع “شلال” و”المقطري”.. التحالف يوقف مرتبات القوات التابعة للانتقالي” ديسمبر 2019. https://www.almashhad-alyemeni.com/152892, (الدخول 7 أكتوبر 2021 ); al-Arabi News,”التحالف يوقف رواتب الجيش والامن و”الانتقالي”, أكتوبر2021. https://al-arabinews.com/news201.html, (تم الدخول للموقع 7 أكتوبر 2021)
- سبوتنك عربي, “خبراء يعلقون على أكبر عملية فساد عسكري في مأرب”, فبراير 2018. https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201802261030362781 (تم الدخول للموقع في أكتوبر 2021)
- موقع قناة بلقيس، “جيش بلا مرتبات، ما مسئولية الرئيس هادي وحكومته إزاء هذه الجريمة”، يونيو 2021. https://belqe.es/d0fed6 (تم الدخول للموقع في 1 أكتوبر 2021)
- “القوات السعودية تنسحب من مأرب وعشرات المعدات العسكرية تغادر معسكر تداوين باتجاه العبر | الحقيقة.” https://www.alhagigah.net/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%B3%D8%AD%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%A3%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7/. (تم الدخول للموقع في أكتوبر 17, 2021.)
- الغارديان, “Yemeni separatists seize island of Socotra from Saudi-backed government”, يونيو 2020. https://www.theguardian.com/world/2020/jun/21/yemen-separatists-seize-island-of-socotra-from-saudi-backed-government (تم الدخول للموقع في أكتوبر 2021)
- XINHUANET, “Houthi rebels advance toward oil fields in southern Yemen”, September 2021. http://www.news.cn/english/2021-09/21/c_1310200987.htm (Accessed 6 October 2021)
- وكالة الصحافة اليمنية, “اشتباكات بين مسلحي الإصلاح وقبائل بيحان في شبوة”, يونيو 2021(. http://www.ypagency.net/374327 (تم الدخول للموقع في 6 أكتوبر 2021)
- خبر عدن , “العميد سند الرهوة: هذه حقيقة ما يشاع عن مصالحة بين الشرعية والانتقالي سبتمبر 2021. https://adenkhbr.net/171965/ (تم الدخول للموقع في 1 أكتوبر 2021)
- الجنوب اليوم, “الإصلاح يرفض توريد إيرادات مأرب وشبوة للبنك المركزي والانتقالي يتعهد الحكومة”, مارس 2021. http://www.aljanoobalyoum.net/42593/ (تم الدخول للموقع في 15 أكتوبر 2021
- [[يوتيوب, “محافظ المهرة يرفض تحويل الإيرادات بالمحافظة للبنك المركزي” , فيديو للجزيرة الإخبارية, يوليو 2019. https://www.youtube.com/watch?v=r7_9mKJe4tw (Accessed 7 October 2021)
- Emirates Policy Center , “Yemen’s Economy in Crash Landing Mode: Implications and Options”, Aug 2021. https://epc.ae/whatif-details/102/yemens-economy-in-crash-landing-mode-implications-and-options (Accessed 7 October 2021)
- جريدة الوفد, “السعودية تسلم اليمن وديعة بـ2 مليار دولار أمريكي”, مارس 2018. https://alwafd.news/article/1819310(تم الدخول في 7 أكتوبر 2021)
- العربية نت, “منح النفط السعودية لليمن تتجاوز 4 مليار دولار”, يوليو 2021 . https://ara.tv/gyn9f (تم الدخول في 7 أكتوبر 2021)
- “اليمن العربي | بالأرقام.. فضيحة ضخمة لعمليات اختلاس بين البنك المركزي ومصرف الكريمي الشمالي.” اليمن العربي, April 6, 2020. https://www.elyamnelaraby.com/471626.
- كما حدث في أكتوبر 2021 في عدن بعد الاشتباكات في مدينة كريتر بين قوات المجلس الانتقالي ومسلحين، وحملة الاعتقالات التي نفذتها قوات الانتقالي بحق المواطنين من أبناء محافظة تعز بالمدينة., الجنوب اليوم, “الانتقالي يشن حملة اعتقالات مناطقية ضد أبناء تعز في كريتر”, أكتوبر 2021 . http://www.aljanoobalyoum.net/49823/ (تم الدخول للموقع في 7 أكتوبر 2021)
- BBC, “Yemen conflict: Troops retake Mukalla from al-Qaeda”, April 2016. https://www.bbc.com/news/world-middle-east-36128614 (Accessed 15 October 2021)